مركز تراث الحلة
العالم الأديب مجيد الخميس السلامي
التاريخ : 7 / 8 / 2018        عدد المشاهدات : 3901

          من موروث جوامع الكلم ما ورد عن مولانا أبي الحسن الرضا(صلوات الله عليه) أنه قال "لا يكون المؤمن مؤمِناً حتّى تكون فيه ثلاثُ خصالٍ: سُنَّةٌ من ربِّه وسُنَّةٌ من نبيِّه صلّى الله عليه وآله وسُنَّةٌ من وليِّه عليه السلام. فأمّا السُنَّة من ربه فكتمان السِّر، وأمّا السُنَّة من نبيّه صلّى الله عليه وآله فمداراةُ الناس، وأمّا السُنَّة من وليّه عليه السلام فالصّبرُ في البأساء والضراء".

ولادته ونشاته:

الشيخ مجيد حمادي حسين الخمَيس (بالتشديد والتصغير) الحلي السلامي ، كانت ولادته سنة 1304هـ بالحلة الفيحاء ونشأ بها نشأة علمية أدبية صقلت ذائقته الفذة في الفقه والاصول ، وشاغفت عنفوان الموهبة الأدبية والشعرية لديه، منتفعاً من الاجواء الروحية التي كانت تمتلكها أروقة المدينة المعطاء من خلال شواخص النور والفضيلة  من مزارات شريفة ومراقد جليلة وعلماء كبار وفحول معرفة وآيات تقى و ورع .

دراسته العلمية وأساتذته :

كانت العناية تحوطه في مسعاه المبارك متزامنة مع إخلاصه وتوكله على الله عز وجل، في تأدية رسالة طالب العلم الحقيقية ،والمنصبة على تحبيب مفردات الشريعة الغراء الى الناس وتعليمهم مقاصد الحلال والحرام، فدرس المقدّمات الأدبية والشرعية على العلامة التقي الحجة محمود سماكة والفاضل السيد عبد المطلب الحلي ،أما مبادئ الفقه والاصول فكانت على يد الشيخ محمد حسين علوش والعلامة االسيد محمد القزويني (رحمة الله عليهم أجمعين)، ثم انتقل الى موئل العلم والعلماء النجف سنة 1332هـ لاكمال مراحل التحصيل العليا ،فحضر ابحاث الخارج على أساطين الفقه والاصول كلا من آية الله العظمى الميرزا النائيني وآية الله العظمى السيد أبي الحسن الاصفهاني وآية الله العظمى الشيخ كاظم الشيرازي وآية الله العظمى ضياء الدين العراقي وآية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء (رحمة الله عليهم اجمعين)، أُجيز بالاجتهاد عن أساتذته، ونال مرتبة عالية في العلم والأدب، وشرع بتدريس الفقه وأُصوله فتهافت عليه طلاب العلوم والمعارف والآداب.

محل ثقة الجميع:

 والذي يظهر من توثيق المصادر والشهادات العلمية لسيرة العلامة الشيخ مجيد الخميس (طيب الله ثراه) أنه نال حظوة علمية يغبط عليها، وأُشير الى نبوغه وفضله بإعجاب وإكبار ،بما تسالم عليه فضلاء عصره ورواد حوزة المولى الاعظم أبي تراب (صلوات الله عليه) ، فتوجه إليه طلاب العلم ينهلون من معارفه ، ويستقون من كريم سجاياه ، ومفردات التواضع والسماحة والتصبر والتي كانت من أبرز ما عُرف عنه نور الله مضجعه. يقول الخطيب الموسوعي الشهيد جواد شبر في (أدب الطف ج10ص187) " والمترجم له ممن عاصرتهم وجالستهم وحادثتهم وكان يتواضع للصغير والكبير ويحترم الناس على اختلاف طبقاتهم وهو محل ثقة الجميع فليس هناك أحد الا ويحسن فيه الظن ويثق به وبعدالته وأخلاقه".

المؤثِر على نفسه :

كان يجمع الى جانب مواهبه العلمية صفات طيبة وشمائل كريمة منها حُسن السيرة ولُطف المعشر ورقة الشعور مع وداعة وطيب سريرة ،وقد حدثنا بعض معاصريه بمواقف انسانية نقية تُحسب للشيخ السلامي ، منها نقلاً عن العالم الورع التقي السيد مسلم السيد تقي آل شناوة (قده) "ان الشيخ مجيد السلامي كان لا يأبه لمشاعر الأبهة والتمظهر الفاخر أمام الناس، بل كان يجلس حينما يتعب في الطرقات عند زاوية ما ،ولايهتم بلبس الثياب الجديدة " كما نقل المرحوم الفاضل الحاج اسكندر ابو الطحين (شخصية حلية معروفة بالتقوى والزهد) "ان المرحوم العلامة الشيخ مجيد الخميس كان يُرسل بطلبه حينما تأتيه أموال على نحو التبرعات او الهدايا او الحقوق فيقوم بتكليف الحاج اسكندر ابو الطحين بشراء القمح والشعير ويُلزمه بارسالها الى عوائل متعففة محددة ،حتى يصل الامر الى ان لايُبقي له سوى درهمين او ثلاثة في احسن الحالات ".

مهوى الأيتام :

كانت الايتام والفقراء تأتي الى داره لاستلام المساعدات الغذائية من الطحين والشعير والسكر والتمر وغيرها، والتي يرسلها على الدوام الوجهاء والمحسنون والميسورون أمثال الحاج حسان مرجان والحاج عبد الخالق الياسين والحاج عبد الرزاق مرجان وعبد الله ابو النفط بشكل دوري ، ويقوم بتوزيعها عليهم في وقت كان هو واسرته في حال العَوَز ،يحكي ولده الحاج محمود السلامي "انه كانت لديهم حنفية ماء متهرئة وتسببت في تجميع المياه داخل البيت ولم يكن يمتلك اجرة عامل السمكرة ، ولم يطلب من هؤلاء المحسنين شيئا او اخبرهم باشارة في وقت لو طلب اموالا لاعطوه ، والبعض من ضعفاء الحال ياتون اليه بعد نفاد المساعدات الغذائية فيقوم المرحوم الشيخ مجيد الخميس بتصديق ورقة خطية منه الى محلات الطحين والتمور العائدة للتجار المذكورين ويرسلها مع اثنين من خاصته ومعهم ذلك المستحق الضعيف.."

داره ..دار ُعلم:

لم يكن يتضايق من تردد طلبة العلم او الخطباء الى داره ، بل كان دائما ينتفع بوجودهم وينتفعون بمطارحاته ،واختص به بعض الفضلاء امثال الخطيب الشهيد السيد تقي الموسوي والخطيب محمد الرهيمي أبو شلال وأخوه الشيخ احمد الرهيمي و الاستاذ فرهود مكي والاستاذ عبد الامير بنوش، ومن دروسه التي يلقيها على طلابه في الحوزة النجفية  ألف كتابيه (غاية المأمول في علم المعقول) و(شرح العروة الوثقى) في الفقه الاستدلالي. وكان الحجة  الفقيه السيد حمود العزام الحلي(قده)   يزوره دائما ، وله نسبة مع الشيخ ،كذلك العالم الورع  السيد مسلم السيد تقي وتوت (قده) ولهم مساجلات شعرية وطرف ونكتة سريعة معه رحمة الله عليه.

موهبة شعرية:

طرق العالم والاديب الشيخ مجيد السلامي رحمة الله عليه أكثر أبواب الشعر من المدح والرثاء والذي كان جله في مواليه وسادته أهل البيت الطاهرين صلوات الله عليهم ،كذلك جادت قريحته بالغزل والنسيب ،قال: يصف شجاعة الهاشميين في كربلاء:

بـنفسي  كراما من بني العز هاشم                غـدت عـن مـعاليها تذاد وتدفع

كـأن الـمعالي قد غدت مستجيرة                 بـها  يـوم لاشهم عن الجار يمنع

فـأضحت تـقيها بـالنفوس كأنها                    عـليها لـدى يـوم الحفيظة أدرع

رسـوا كالجبال الراسيات وللورى                  طـيور عـليهم حـائمات ووقـع

بـعزم لـهم لـولاه لم تكن الظبى                   بـواتر  اذ مـنه درت كيف تقطع

هـم  القوم فيهم تشهد البيض انهم              جبال وغى ليست لدى الحرب تقلع

قـضوا كرما تحت الظبى وقلوبهم              بغير الظما ليست لدى الحتف تنقع

ويصف سيد الشهداء  صلوات الله عليه :

وثـاو عـلى حـر الصعيد موزع                بـرغـمكم يـا آل فـهر يـوزع

قـضى وهو ظمآن الحشاشة والقنا           نـواهل  مـنه والـظبى منه رتع

ومـات  بـحيث الـعز لفعه على                 تـود الـسما لـو بـعضه تـتلفع

ولا عـجب ان تبكه الشمس عندما          فـقد فـات منها ضوؤها المتسطع

وله ايضا :

سـل المعنى عن لسيب دائه             أهـــــل  لـه راق سوى بــــــائه

لـي  بـالعذيب كبد ضيعتها               يوم اقتنصت العين من ظبائه

ضـيعتها يـوم الوداع أدمعا              تساقطت كالغيث في جرعائه

جنى  علي العشق في عدوائه          هـمـــا بـه بـت صريع دائه

وغـادر الـضلوع مني كمدا             مـحنية  عـلى لظى برحائه

ومـا  لمن قد طويت احشاؤه           وانـتشرت  وجدا على ذكائه

من منهج ينجو به فذو الهوى         هـيهات  ان يظفر في نجائه

ويذكر سيد بغداد مولانا موسى بن جعفر صلوات الله عليه فيقول:

ان لـم يـشيع نعشه فلم تكن                 مـنقصــة  عـليه فــي عليائــه

فـخلفه الامـلاك قد تزاحمت                 والروح  أدمى الافق من بكائه

مـناديا  عـن شـجن وانـه                   قـطع  قـلب الدين فــــي ندائه

يا قمر الاسلام قد أمسى الهدى            دجـنة  مـذ غبت عن سمائه

وقـد  غدا الايمان ينعى نفسه               فـطبـــق الاكـوان فـي نعــائه

هذا امام الحق عاش في العدى              مـضطهدا ومـات في غمائه

لـقد ثـوى بـلحده وما ثوى                  الا الـهدى والـدين في ثوائـه

 وجاءت ترجمته دالةً على سيرة طيبة مفعمة بالعطاء والزهد والاخلاص ، كما في (البابليات -وشعراء الحلة - فقهاء الفيحاء- مئة عالم وأديب – المنتخب من اعلام الفكر والأدب – موسوعة اعلام الحلة- السلاميون).

وفاته :

في يوم السادس من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1384 هـ المصادف 10 /3 /1965 توفي العلامة والاديب والمتفاني من اجل بني دينه ومدينته وعمره81 سنة عند الفجر، بعد انتكاسة صحية مفاجئة أرقدته لثلاثة اسابيع حتى وافته المنية ،غُسل في كربلاء ثم اعيد تجهيزه الى حسينية ابن ادريس والتي غصت بالمشيعين ومريدي الفقيد،الذين اشار اليهم رحمة الله عليه مخاطبا عائلته الضعيفة "ما عليكم شي ودوني للحسينية والباقي تركوا" وشيعه موكب المعزين بهتافات و ردات حسينية يتقدم المعزين  الحجة الشيخ محمد سماكة وبعض الفضلاء واعيان الحلة وكان السوق الكبير في حالة حداد واغلاق تام.

         

رثاه الشاعر فاضل خضر عبد الواحد بقصيدة جميلة يقول فيها :

مالي أرى هذا الوجودُ تغيرت                 فيه الملامحُ والنحيبُ يزيدُ

زادَ النحيبُ لفقد أغلى درةٍ                    فيها مجيدُ العارفينَ مُجيدُ

البِشر يقطر من سماحة وجههِ               وصفاته في العالمين نشيدُ

تحلو الوداعةُ فهي فيه تكاملت               أبداً ولكن دينه لشديدُ

ولقد أتيت العلم من أبوابهِ                   وفتحتَ جامعةً وانت عميدُ

 

وأرخ الاديب الراحل السيد محمد علي النجار وفاته قائلاً :

يا عالماً أذهلنا فقدَهُ                    يا وَحشة المحراب والمنبرِ

فهو (مجيدٌ) زاهدٌ عابدٌ                 وإنه في علمه عبقري

أزال أقصى القلب تاريخهُ           (فكان مثواهُ بوادي الغري)    

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :