مركز تراث كربلاء
تل العطيشي..تأريخ وحضارة
التاريخ : 12 / 12 / 2018        عدد المشاهدات : 2038

يشغل تل العطيشي رأس المثلث الذي تشكّله مقاطعة ( أبو زرنت) في قسمها الجنوبي، وهو يبعد عن مركز مدينة كربلاء حوالي (11كلم)في الجهة الشمالية الشرقية - وهو مجاور لخان العطيشـي - بل هما يشغلان تلاً أثرياً واحداً قطعه الشارع إلى شطرين.

والتل بإطلاله الحاليّة عبارة عن شكلٍ شبة مستدير يبلغ قطره في حدود (250م) ويبلغ ارتفاعه (5-7م) فوق مستوى الأرض المجاورة له. وتقدر مساحته الإجمالية في حدود 14دونمًا تقريباً. وهو يقع على ارتفاع (30-34 مترًا) فوق مستوى سطح البحر.

ومفهوم كلمة "عطيشـي" حسب الروايات المحلية ترجعه إلى شخص "أسطوري" اسمه "عطيش بن شبرم" هاجر من نواحي الحجاز أثر خلاف دامي مع أشراف مكة - واستوطن ضواحي كربلاء خلال فترات الحكم العثماني. والمعروف إنّ الذاكرة الشعبيّة تعيد إنتاج الروايات - عن طريق تجميع شتات متفرقة من الأحداث والأزمان...

وإذا صحّ وجود هذا الشخص فإنّ اسمه يوحي أنّه ليس بالعربي - فإنّ لفظة " شبرم " تشير إلى كونها اسم "عبري" وليس عربي، مما يفيد أنّ لفظ "عطيشـي" أقدم بكثير من تاريخ استقرار قبيلة المسعود فيه إثر نزاعهم مع أشراف الحجاز، واضطرارهم للهجرة في أواسط عصور السلطنة العثمانية - كما تزعم بعض الروايات المتداولة والأمر فيه بحث ولا نجزم بتفاصيل ما ذكرنا.

يبدو أنّ سكان حصن العطيشي هم من سكان العراق الحيريين، وربّما كانت عقيدتهم المسيحيّة قبل أن يعتنقوا  الإسلام؛ فقد دلّت التنقيبات التي آجرتها بعثة التنقيب الأثريّة عام ( 2008 م ) وجود طبقتين أثريتين تنتميان إلى عصـرين مختلفين مع وجود آثار حرق شديد لهذه الطبقة بحيث أحمرّت إجزاء من بقايا الأسس والأرضية، وبعد التوسع بالتنقيب باتجاه الركن الغربي من المربع (B4 ) ظهرت حفرة دائريّة الشكل... تضمّ ( 8 ) جرارًا كبيرةَ الحجم بيضوية البدن عديمة الرقبة، الفوّهة ضيّقة نسبياً، القاعدة مدبّبة مطليّة من الداخل بالقار، وعليها من الخارج علامات باللون الأسود على شكل سهام... متجهة إلى الأعلى، وعلى واحدة من هذه الجدران علامة الصليب المعقوف .

ووجود هذه الخزفيات وأثار الحرق ينتمي إلى الطبقة الثانية - والتي هي أحدث عهداً - وربّما ترجع إلى العصور الإسلامية - العباسيّة. فقد بيّنت اللّقى الخزفيّة التي عثر عليها في أماكن متفرقة من الطبقة الثانيّة إنها تنتمي إلى العصـر العباسي الذي أزدهر في حدود (221-279هـ).

كما إنّ نوعيّة زجاج الموقع جيدة، فبعضها شفافة تماماً، والبعض الآخر نصف شفاف، ومنها لا يزيد سمكها عن المليمتر الواحد. أمّا الألوان فغالب عليها اللّون الأزرق بدرجاته، والأخضـر المائل للزرقة، وهي الألوان ذاتها السائدة على بقية الألوان في زجاج الكوفة

. كما تمّ اكتشاف:  مسكوكة نحاسيّة مضـروب عليها ( لا إلهَ إلّا اللهُ ) ومضـروب على قفاها ( محمّدٌ رسولُ الله) : عرضت على خبراء المسكوكات في المتحف العراقي فتمّ تحديد فترتها التاريخيّة بالعصر العبّاسي بعد فترة الرشيد  (يُنْظَر:.مجلّة  سومر، المجلّد السابع والخمسون: 29- 30.]).

والسؤال: ما حاجة العباسيين إلى بناء حصن كبير مدرع بالأبراج - يقع ارتفاع جدرانه في حدود ( 8م ) في منطقة تقع إلى الشـرق من نهر العلقمي وتحميها من الجنوب مستنقعات نهر نينوى وآجامه؟، دون وجود الوثائق لا جدوى من سؤال كهذا، فلن تقدّم لنا التخمينات جديداً يعتمد عليه. غير أنّ وجود حصن كبير مثل حصن العطيشي في موقع جغرافي مطوق بالمستنقعات وجنائن النّخيل والأنهار والقنوات وذلك قبل الفتح الإسلامي؛ يعد أمراً محيراً للغاية. وقد أظهرت الجهود التي بذلتها بعثة التنقيب العراقية امتداد إحدى الواجهات الموازية للواجهة الشمالية وبطول ( 65م ) مدعمة بالأبراج، عبارة عن جدار مزدوج يترك زقاقاً ضيّقاً لا يتجاوز عرضه عن " 2.40 م " وهذا الزقاق غير سالك إذ يعترضه جدار سميك ( 80 سم ).اضواء على تاريخ كربلاء ، المسعودي - مخطوط : ص 39 .

ووجود الأزقّة والممرّات الضيّقة والمسدودة أو ذات المنافذ الحرجة - تجعل من البناء حصناً عسكرياً - دفاعياً بامتياز.

بقي ان نذكر ان هذا الصرح التراثي يمر بوضع مآساوي نتيجة الاهمال الواضح لهذا المعلم المهم الذي يحكي تاريخ مدينة كربلاء.

 

([1])يُنْظَر:.مجلّة  سومر، المجلّد السابع والخمسون: 29- 30.


الشيخ عقيل الحمداني - وحدة الاعلام


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :