مركز تراث البصرة
جامعُ كُوت الحُجّاج.... شمسٌ تشعُّ بالضياءِ والعطاء
التاريخ : 28 / 1 / 2019        عدد المشاهدات : 2810

 دَأَبَت جميعُ الأديانِ على تأسيسِ وبناءِ بيوتٍ وأماكنَ لمُمارسة شعائِرِها وطقوسِها الخاصَّةِ بها، ولمْ يبتعِدْ الدينُ الاسلاميُّ عن هذا المَنحى؛ فقد شَيّدت الحضارةُ الإسلاميّةُ مجموعةً من الجَوامِعِ الرّائدةِ، التي كان لها الدّورُ البارزُ والمهمُّ في نشر العُلوم الدّينيّة، والأخلاق الاسلاميَة؛ فأوَّلُ عَملٍ قام به الرسولُ محمدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد هجرتِه  من مكَّةَ الى المدينةِ هو بناءُ مسجدِه، الذي أُسِّسَ على التّقوى من أوَّل يومٍ، واستمرَّ هذا الأمرُ الى عصرِنا الحاليِّ؛ إذْ شُيِّد الكثيرُ من المساجدِ في جميعِ أنحاءِ المعمورةِ، ومنها العراقُ، الذي تشرّفَ بالأنبياءِ والمرسلينَ وأئمَّةِ أهلِ البيت (عليهم السَّلام).

والبصرةُ من المُدُنِ التي عُرِفَتْ وتميّزَت بانتمائِها وولائِها لآلِ النبيّ (عليهم السّلام)، فتَجدُ فيها الكثيرَ من المساجِدِ والحسينيّاتِ، التي كانت ـ وما زالت ـ عامرةً بذكر الله (عزّ وجلّ).

ومن تلك المعالِِم والجوامعِ التّراثيّةِ هو جامعُ (كُوت الحُجّاج).

المؤسِّسُ وسَنَةُ التأسيس

تأسَّسَ جامعُ كُوت الحجّاج في عام (1919م)، على يدِ مجموعةٍ من كِبار عائلةِ الحجّاج، وهم كلٌ من: الحاج صالح، والحاج مهدي، والحاج يوسف، والحاج مجيد، والحاج مكي، وسُمِّيَت عائلةُ الحجّاج بهذه التّسمية نسبةً إلى تجمّع الحُجَّاج من جميع المحافظات في تلك المنطقة، حيث كانت العائلةُ تقومُ بضيافَتهم، ومِنْ بعدها يذهبون لأداء مناسك الحجّ، وبعدَ عودَتهم، يأتون إلى المكان نفسِه، حيث تُعدُّ استراحةً للحجّاج قبل مغادَرَتهم، واكتسب الجامعُ تسميتَهُ من العائلة، والمنطقة نفسها، فالكوتُ تعني: المنطقةَ الصَّغيرةَ، وكانت تُسمّى سابقاً (كُوَيِّتْ) أو (كُوت).

 عند تأسيسِ الجامعِ بُني من الطِّين، وبمُرور السِّنين جُدّد بناؤه من الطّابوق، وأضيفَت إليه مساحةٌ إضافيَّةٌ من بعضِ المحسنين من (عائلة الحجّاج)، وما يشاهد اليوم من بناء يعود الى عام (2000م).

المَساحةُ والمَوقِع

 تقدّرُ مساحةُ المسجدِ بحدود (400م2)، وفيه مأذنةٌ صغيرةٌ أُعيدَ بناؤها عام (2012م)، يبلغُ طولُها ثمانيةَ أمتارٍ، وبقطرِ مترٍ واحدٍ، وفيها مدرجٌ حديديٌّ من الدّاخل، وللجامعِ مُغْتَسَلٌ قديمٌ بقدَم التأسيسِ والبناء .

وتأسَّسَ الجامعُ في وَقتٍ لا يوجدُ فيه أيُّ جامعٍ في المنطقة لأداء الصَّلاة وإحياء الشَّعائر الدينيَّة، وعلى الرّغم من المَنع والمضايقات، وتعرّض المصلّين في الجامع إلى الاعتقالات والمضايقة، التي كانت في زمن النّظام البائد، إلَّا أنَّ المسجدَ كان ـ وما زال ـ مستمراً على إقامة العزاء، وممَّن اعتقلهم النظام السابق وأعدمهم على سبيل المثال لا الحصر: الشهيد: تركي نعيم حاجم، والشهيد: ستّار جبّار، وغيرهما (رحمها الله) كثير .

الأنشطةُ الدينيَّةُ والثقافيّة

تُقامُ في الجامع العديدُ من الأنشطةِ الثّقافيّةِ والدّينيّةِ، منها: إقامةُ المَجالسِ الحسينيّةِ خلالَ شَهرِ محرّمٍ الحرامِ، وشهرَ رمضانَ المباركِ، وإحياءُ مناسباتٍ ولادةِ الأئمةِ (عليهم السّلام)، وإحياءُ مجالسِ الذّكرِ بقراءة الأدعيةِ والزّياراتِ، فضلاً عن إقامةِ الدّوراتِ الفقهيّةِ، والعقائديّةِ، والدروسِ الحوزويّةِ، ودروسِ تعليمِ القرآن، وقد أقيمت لفئاتٍ عمريَّةٍ مُختلفةٍ، وكذا تُعقدُ نَدَواتٌ تثقيفيّةٌ لحملة التّكليف الشّرعي للبنات البالغات.

وضمنَ أَنشطةِ الجامعِ أنَّه يضمُّ جَمعيّةً بعنوان (يتيمة الحسين (عليه السّلام))، تعملُ على مُساعدة الفُقراء والمساكينَ والأيتامِ والمرضى المحتاجينَ للعلاج، ومساعدةِ الشَّبابِ المُقبلين على الزَّواج، ومدِّ يدِ العَون للعوائل المتعفِّفة التي تكون بحاجة الى المساعدة، أُسست منذ سنة (2010م)، وهي تموّل ذاتياً بدعم مجموعةٍ من أَهل الخير.

ضمَّ الجامعُ منذُ تأسيسَه مكتبةً حَوَت مجموعةً كبيرةً من الكُتب، فُقِدَت جميعها؛ لتعرُّض المسجدِ للعَبَث في زمن النّظام البعثيّ، وسُرِقَتْ جميعُ آثارهِ ومقتنياته، وبعد سنة (2004م)، أُسِّسَت فيه مكتبةُ الإمام الحَسَن المجتبى (عليه السّلام)، وضَمَّت العديدَ من الكُتُب الدّينيّةِ، والفقهيّةِ، والعقائديّةِ، والاجتماعيّةِ، فضلاً عن مصاحفِ القرآنِ الكريمِ، وكتبِ الأدعية.

خُطباءُ الجامِع وزوّارُه

أَحيا الجامعُ المناسباتِ الدّينيّةِ من خلالِ العديدِ من الخُطباء، منهم: الشّيخُ حامد السّبتي، والسّيّد حاتم الخراسان، والسّيّد أحمد عبد العزيز الشّرع، وغيرهم.

وزاره العديد من الشّخصيّات الدّينيّة، أمثال: السّيّد عبّاس شبّر، والسّيّد عصام  شبّر، والشّيخ خلف الأسديّ، والشّيخ نور الأسديّ، والشّيخ حسين الدكسن، والسّيّد عبد الرّزاق الحلو، وغيرهم.

التوليةُ وأئمَّة الجَماعة

تعاقبَ على خِدْمة المسجدِ عَدَدٌ من المتولّين، كانوا من عائلة الحجّاج نفسها، وبمرور السّنين تولّى الجامع أحدُ السّادة، وهو المرحوم السّيّد طاهر الحلو، وكان له دورٌ في هذا المسجد.

وخلال السبعينيات وبداية الثّمانينيّات من القرن الماضي، أذّن في الجامعِ المرحومُ الحاجُ نعيم، والمرحوم الحاج سليم الأسديّ، والمرحومُ فتحي شاكر الأسديّ، ويتولى الخدمة والادارة فيه الحاج قحطان شريف الحجّاج.

ولإمام الجماعة دورٌ كبير في إرشاد النّاس وتوعيتهم؛ فبعدَ سُقُوط النّظام، أُقيمتْ صلاةُ الجماعَة بإمامة السّيّد يعقوب البطاط، وبعدها بإمامة نجله الشهيد السّيّد مسلم البطّاط، واليومَ تُقام بإمامة السّيّد محمّد حمزة الموسوي.

وعلى الرّغم من كلِّ ما تعرَّض له الجامعُ من مضايقاتٍ وتّخريبٍ وسّرقةٍ واعتقالاتٍ لمرتاديه خلال النّظام البعثيّ، يبقى اليومَ عامراً بالمصلّين، وزاخراً بالتطوّر، الذي شهدهُ خلال السّنوات الأخيرة، فالظُّلم لا يمكن أنْ يدومَ مهما طال وقتُهُ، وتبقى بيوتُ الله عامرةً بالمؤمنين، وتعملُ على نَشر الأَخلاقِ الحميدةِ، وتُطوِّرُ فكرَ الإنسان، وتُنيرُ دربَهُ، وتحثُّ المؤمنين على التّواصل، والمساعدة، والمحبّة، وقضاء حوائج المحتاجين، وهذا ما دعا إليه الإسلامُ الحنيف. 


هاني نمر عجمي


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :