رحلة المطراقي زاده سنة:( 941هـ / 1534م ) .

        وهو نصوح أفندي السلاحي بن عبد الله قرة كوز المشهور بمطراقي زاده.  مؤرخ ورحالة ورياضي و مهندس عسكري ورسام أصله من ولاية البوسنة .

        صحب السلطان سليمان القانوني في معظم رحلاته العسكرية ومنها حملته على العراق ويظهر أن أمر براعته في التأليف و الرسم قد اشتهر عهد ذاك حتى الحلف لمهمته تسجيل وقائع الحملات العسكرية التي شارك فيها ، وتزيينها بالصور الملونة التي تمثل المدن و القصبات التي مر بها الجيش العثماني, المرافق الذي صاحب السلطان سليمان القانوني خلال سنة 941هـ / 1535م. ومنها مدينة كربلاء المقدسة التي رسم لوحات متعددة لها ولضريح الحسين -عليه السلام - ولضريح العباس -عليه السلام -  و لمقام الصادق -عليه السلام - ومقام يدعى إنه لعلي الأكبر وعبد الله الرضيع -عليه السلام -  ولوحات ملونة جميلة أخرى لكل الأماكن و المقدسات التي مربها رحلته، فضلا عن الوصف الدقيق الذي جاء فيه :

        مبنى الضريح : «  يحتل مبنى الضريح وسط الصحن ، وتظهر واجهته كاملة ، بسبب إنه – أي المطراقي زاده- اختار أن يرسمه من جهة الداخل إلى الصحن من بوابة المشهد الرئيسية وتتألف واجهة المبنى من بوابة عالية كبية معقودة من الأعلى تتقدمها طارمة مرتفعة تعلوها قبة مستقلة محززة طوليا ، ومنخفضة لا رأس لها ، تقف على رقبة بيضاء لها عدد من النوافذ الطويلة يظهر منها خمس ، ولا يبعد أن تكون هذه القبة مغطاة بالذهب أو الرصاص ، ويحيط بالباب من الخارج شريط عريض ملون بالأخضر ، يمكن أن يكون من الآجر المزجج ، ويُدلف من هذا الباب إلى باب داخلي له عقد مفصص بثلاثة فصوص .

        ويحيط بالباب صف من نوافذ مستطيلة عليها شبابيك من قضبان متقاطعة ، اثنان عن يمين ومثلها عن الشمال أيضا ، والغالب إنها عقود صُم غير نافذة تزينها لوحات زخرفية مذهبة ، بينما يوجد في الوسط ، في مكان يعلو قبة الباب المذكورة عقد عريض على الطراز الهندي ، وهو النموذج الوحيد لهذا الطراز في هذه الصورة. أما المستوى الذي يلي هذا الصف من النوافذ ، وهو المستوى الأدنى إلى الأرض، فثمة أربع نوافذ مستطيلة عموديا ، وبين مستوى النوافذ هاتين ، يوجد شريط عريض من الزخارف الآجرية المزججة ، وأقوام هذه الزخارف صفان أفقيان من عشرة مربعات متماثلة ، خمسة عن يمين الباب ومثلها عن شمال ، في كل مربع طير فارد جناحيه بلون أبيض ، وتفصل بين هذه المربعات أرضيـة بلون بنفسجي وفي أعلى هذه الواجهة ، يوجد شريط أفقي ملون باللونين الأبيض والأزرق على شكل سلسلة من أنصاف دوائر متراصة ، يظهر إنه من الآجر المزجج ، ويعلوه شريط آخر بلون أصفر لامع ، ويلي ذلك طارمة بارزة ، زينت بزخرفة على شكل خط ملتوٍ يتكون من أشكال معقوفة متقاطعة تشكل سلسلة متداخلة الحلقات .

        ولهذه الطارمة حافة زينت بزخرفة تتألف من قطع ملونة باللونين الأبيض والبنفسجي يشكل تكرارها أشكالا مربعة .

         وتحيط بالواجهة المذكورة ، وبضمنها الطارمة ، من الجانبين قاعدتان عريضتان وتتألف كل قاعدة من ثلاثة أقسام أدناها إلى الأرض عريض مزخرف بزخرفة نباتية تشكل أوراق عنب ملونة باللون البني ، ويعلو هذا القسم قسـم آخر مكسـو بلون أخضـر ، ويترجح أن تكون من الآجر المزجج ، وفي وسط كل من هذين القسمين مستطيل مؤطر بحافة خضراء غامقة أما أرضيته فبلون بني فاتح والغالب إنه باب يتكون من مصراعين، وفوق كل باب لوحة أفقية تحتوي على شريط كتابي .

        أما القسم الثالث فمربع مزين بكساء من الآجر المزجج المزخرف بزخارف دقيقة باللونين الأخضر والبني الفاتح تمثل أشكالا هندسية سداسية مرصوصة ، كهيئة بيوت النحل .

        ويعلو الطارمة التي أشرنا إليها جدارٌ مكسو بكساء آخر من الآجر المزجج المزخرف بدقة ، ولكن بلون أخضر فاتح . ويوجد على هذا الجدار ثلاث لوحات مستطيلة عمودية ، ملونه بلون أصفر يمكن أن يكون مذهبا ، وبينها دائرتان باللون نفسه ، وداخل هذه اللوحات زخارف غير واضحة ، ولكن موقع هذه الألواح في أعلى الباب ووسط الواجهة يجعلنا نرجح أنها كانت تحمل كتابات تذكارية تشير إلى تاريخ العمارة واسم من قام بها .

        وعلى كتفي هذه الواجهة كلها ، وبالتحديد فوق القاعدتين المذكورتين ، توجد قبتان تتخذان شكل نصف كرة ، مكسوتان بالآجر المزجج الأخضر اللون، المزخرف باللون البني ، بزخارف تبدو بالغة الجمال والدقة . ولكل قبة رقبة بنية اللون تستند إليها ، وهي تتميز بسعة فتحتها العليا واتجاهها نحو الضيق في الأسفل. وفي أعلى القبتين ميل معدني ثبتت عليه عدد من الكرات اللامعة المتدرجة الحجم مما يوضع في قمم القباب وفي مكان يعلو هذه الواجهة رسم المطراقي صورة حجرة المرقد الشريف مع أن مكان هذه الحجرة هو في داخل البناء بالطبع،  ولكنه أراد أن يرفعها في مكان علوي لسببين أولهما كي لا يحرم الشاهد من التمتع بشكلها الذي يحجبه جدار الواجهـة ، والثاني لكي يجعلها في وسط النصف العلوي من الصورة تأكيدا على مركزيتها وأهميتها الاستثنائية .

        وتأخذ حجرة القبر شكلا مربعا كاملا ، حيث يوجد القبر الشريف ، وهو الوحيد في الصورة الذي رسمه المطراقي بأبعاد ثلاثة ويظهر ملونا بالأصفر ، بينما لون فضاء الحجرة بالأبيض دلالة على طهارة المكان ونقائه ، ولكي يتميز عن الألوان التي لونت بها الصورة كلها . ويوجد على القبر صندوق من الخشب غير مزخرف وتتدلى من سقف الحجرة فوق القبر مشكاة مشدودة بسلاسل رفيعة ، تأخذ شكلا اسطوانيا تقريبا فقسمها السفلي يأخذ شكلا كرويا ، وتتصل به من الأعلى رقبة عالية ، وتتدلى من أسفلها سلسلة. بينما توجد مشكاوان أصغر حجما مثبتتان فوق رأس القبر وقدميه ، يتميزان بقصر رقبتيهما . وثبتت على أركان القبر مشكاوات أربع تأخذ كل مشكاة شكل إناء عريض واسع الفوهة ينتهي بعنق طويل يزداد كلما زاد ارتفاعا . والراجح أن هذه المشكاوات كانت من آثار العمارة الصفوية الأولى التي قام بها الشاه إسماعيل الصفوي ، إذ جاء في تاريخ حبيب السير لمير خواندمير أن الشاه زيّن الحجرة باثني عشر قنديلا من الذهب الخالص وتعلو الحجرة قبة خضراء على شكل نصف كرة تستند على قاعدة مربعة وهذه تستند على رقبة لها نوافذ كبيرة معقودة تظهر منها واحدة في قمتها برج دائري صغير له نوافذ ضيقة طويلة وتغطيه قبة صغيرة أخرى تعلوها كرة وعلى جانبي هذه القبة توجد مأذنتان ملونتان باللون الأخضر الغامق وعليهما زخارف نباتية وقد اختزل الرسام القسم العلوي من بدن المأذنة فبدا حوضها المغطى وقد كاد أن يتصل بقمتها ، وهذه القمة على شكل زهرة بيضاء تحتضن قبة مكورة بيضاء اللون ، والذي نراه أنه أراد بهذا الاختزال أن يضع للمأذنتين مكانا فوق حجرة المرقد الشريف بعد أن اضطر إلى رسم حجرة المرقد الشريف في مكان افتراضي يعلو مبنى الضريح نفسه .وتشير دلائل آثارية إلى أن السلطان الجلائري أحمد بن أويس هو الذي أمر ببنائهما سنة 786هـ/ 1384م.كما يوجد عند جداري الغرفة من الخارج لوحتان مفرغتان بزخرفة نباتية »  . العراق كما رسمه المطراقي زاده سنة 941هـ /1534م ، ط1،  ، ص11، ص47- 73)...