مركز تراث الحلة
محمّد بن شجاع القطَّان الحِلِّيّ  
التاريخ : 8 / 6 / 2019        عدد المشاهدات : 2264

      من أعلام الحِلَّة وكبراء علمائها المقدمين، وأساطين الفقهاء المبرَّزين، العالم العامل المتكلم المحقِّق، الذي فاق بعلومه نظراء عصره، حتَّى صار منهلًا للورى، وعلماً من أعلام الهدى. 

    الشيخ الجليل شمس الدين محمّد بن شجاع علي بن نعمة القطَّان الأنصاريّ الحِلِّيّ، كانت ولادته في الحِلَّة الفيحاء، محور الحركة العلميَّة ومنار العلوم الشرعيَّة؛ إذ كانت تحتضن النخبة المميزة من فقهاء الطائفة وأعيانها، وفيها نشأ مُجدًّا في العلم والتحصيل، واردًا العلوم العقليَّة والنقليَّة من ينابيعها الصافية التي كانت تزخر بها الحِلَّة، وما انقضت إلَّا مدة قصيرة حتَّى تسنم مراتب الكبار، فحضر بحث الفقيه البارع المتكلم  وأحد ابرز أعمدة المدرسة الفقهيَّة الشيعيَّة في الحِلَّة الشيخ جمال الدين الفاضل المقداد بن عبد الله السيوريّ الحِلِّيّ (ت 826هـ) واختص به وكانت جُلّ فائدته وعلومه منه، وله عنه الإجازة والرواية، وتتلمذ كذلك على يد الشيخ زين الدين علي بن الحسن الاسترآبادي (ت حدود 837هـ) من كبار علماء الإماميَّة، روى عنه الشيخ القطَّان في كتابه (نهج العرفان)، ويروي عنه السيِّد علي بن محمَّد بن دقماق الحسنيّ (ت840 هـ).

وبعد وفاة أُستاذه الكبير أصبح الشيخ ابن القطَّان أحد أركان الحِلَّة وروادها، وصفه المترجمون بكلمات تدلُّ على جليل مقامه ورفيع منزلته فقد جاء في (أمل الآمل): (الشيخ شمس الدين محمَّد بن شجاع القطَّان، فاضل، صالح)، ووصفه البحرانيّ في (الكشكول) بـ(الشيخ الفاضل المـُحقِّق)، ووصفه صاحب (خاتمة المستدرك) بـ(العالم العامل الكامل)، وفي (حقائق الإيمان) للشهيد الثاني قال هو: (الشيخ الفاضل المحقِّق)، ووصفه صاحب (نفحات اللاهوت) قائلًا: (عالم جليل فقيه متكلم مؤلِّف عامل، كامل، تتَلمَذَ على الفقيه المتكلم جمال الدين السيوريّ)، وعبَّر عنه النمازيُّ بـ(الشيخ العالم الكامل ... المنقول فتاويه في كتب الأصحاب)، في حين قال الطهرانيُّ واصفًا إيّاه بـ(الشيخ الفقيه).

  ترك شيخنا ابن القطان آثارًا فقهيَّة وأخلاقيَّة كثيرة منها : (معالم الدين في فقه آل ياسين)، و (نهج العرفان في أحكام الإيمان)، و (المقنعة في آداب الحج)، قال عنه الأفنديُّ التبريزيُّ في (الرياض): " رأيتُه في أردبيل بخطِّ الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن علالة المجاز من أُستاذه الفاضل المقداد في سنة (822 هـ)" ، وفي آخر الكتاب: "هذا آخر كلام المصنِّف دامت فضائله، حرّره العبد علي بن حسن بن علالة في يوم الأحد الحادي عشر من شعبان سنة (822هـ) "، وأمَّا كتابه الأول فهو مشهور جدًا، وقد أخطأ في ذكره البغداديُّ في (إيضاح المكنون) فقال: (معالم الدين في آل ياسين لشمس الدين محمَّد بن شجاع القطَّان (الحِلِّيّ) الشيعيّ) إذ عدّه من تلامذة الشيخ المفيد الّذي توفّي عام (413هـ)، وقال صاحب (الأعيان): (عندنا منه نسخة مخطوطة كُتبت على خط المصنِّف في المئة التاسعة)، ويعدّ الكتاب دورة فقهية كاملة، جرّد المؤلّف فيه الفتاوى عن ذكر الروايات واستعراض الأقوال غالبًا، وكرَّس جهوده في الإشارة إلى عامّة مسائل الباب حتّى لا يفوته فرع مذكور في الكتب الفقهيَّة المتداولة، رتَّبه على الأقسام الأربعة التي قسَّم المحقَّق الحِلِّيّ كتاب (شرائع الإسلام) فيها، وقد كان الكتاب موضع اهتمام كبار الفقهاء حتّى أنّ الشيخ الأنصاريّ نقل آراء المؤلِّف في كتاب (المكاسب)، ورسالة (المواسعة والمضايقة) .

   قال المصنِّف في أوله: (الحمدُ لله الذي خلقني من ولد آدم الذي كرم، وجعلني من أمة محمَّد النبي (صلى الله عليه وآله وسلَّم)... وقال: (حملني ذلك على تصنيف كتاب يشتمل على تجريد مسائله بعد تحقيق أصوله ودلائله مرتبًا على أربعة أقسام من الطهارة إلى الديّات, ويروي فيه أيضًا عن أبي الحسن علي بن الحسن الاستر آبادي الراوي عن حسن بن سليمان الحِلِّيّ تلميذ الشهيد الأوَّل)، ويقول الطهرانيُّ : " توجد منه نسخة بخطِّ أحمد بن إسماعيل بن المتوّج كتبها عن خطِّ المؤلِّف في حياته، وفرغ منه في عاشر شعبان سنة (832هـ) في الحضرة الغروية عند السيِّد مُحسن العاملّي بالشام كما كتبها إليَّ "، وقد طُبع الكتاب بجزأين عام (1424هـ) بإشراف المحقِّق جعفر السبحانّي وتحقيق المرحوم الشيخ ابراهيم البهادريّ، وقال السيِّد بحر العلوم في رجاله: " وجدتُ في ظهر نسخة هذا الكتاب : بلغ مقابلة من أوله إلى آخره مع النسخة التي قُرئت على مصنِّفه وفيه خطُّه (طاب ثراه) وهو محمَّد بن شجاع الأنصاريّ الحِلِّيّ، ويظهر من تتبع الكتاب فضيلة المصنِّف وهو على طريقة الفاضلَين و(يقصد العلَّامة الحِلِّيّ والمحقِّق الحِلِّيّ) في أصول المسائل، لكنه قد يغرب في التفاريع والذي ارى صحة النقل عنه ".

   أما كتابه الثاني (نهج العرفان في أحكام الإيمان) فهو في الأخلاق نسخة منه في الخزانة الغرويَّة بخط المؤلِّف فرغ منها في 19 شعبان سنة (819هـ)، وفرغ من تبييضها في 18 رجب سنة (831هـ)، وذكر في أولها طريقه في الحديث هكذا : أبو عبدالله المقداد ابن السيوريّ الأسديّ متَّعنا الله بطول حياته ولا اعدمنا شمول بركاته عن جماعة اكملهم الشيخ الشهيد محمَّد بن مكي عن الشيخ العلَّامة فخر الدين محمَّد ابن المطهَّر...)، (ويروي فيه أبي الحسن علي بن الحسن الاسترآبادي الراوي عن حسن بن سليمان تلميذ الشهيد) كما في طبقات أعلام الشيعة (الضياء اللامع)، وقد ذكره الشيخ الطهرانيُّ في (الذريعة)، ووصفه بقوله: "رتّب الكتاب على قاعدتين وخاتمة، فالقاعدة الأُولى في الإيمان، وفيها كُتب، أوّلها كتاب الإيمان، وفيه أبوابٌ أوّلها حقيقة الإيمان، ورواياته عن الكلينيّ والصدوق والطوسيّ بالأسانيد المتصلة إلى الشهيد.

   روى الشيخ ابن القطَّان عن السيوريّ كما ورد في إجازات الحديث التي جمعها الشيخ المجلسيّ في (بحار الأنوار)، ففي إجازة الشيخ شمس الدين محمَّد بن المؤذن الجزينيّ للشيخ علي بن عبد العالي الميسيّ التي نقلها الشيخ المجلسيّ من خطِّ المُجيز جاء فيها: (وأجزت له أن يروي عني جميع كتب أصحابنا الماضين عن السيِّد علي بن دقماق عن شيخه الشيخ محمِّد بن شجاع القطَّان عن شيخه أبي عبدالله المقداد ...الخ)، وفي إجازة الشهيد الثاني للشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائيّ المعروفة بالإجازة الكبيرة بقوله: (وعن الشيخ شمس الدين بن داوود عن السيِّد الأجل المحقِّق السيِّد ابن دقماق الحسنيّ عن الشيخ الفاضل المحقِّق شمس الدين محمَّد بن شجاع القطَّان عن الشيخ أبي عبدالله المقداد بن عبد الله السيوريّ الحلِّيّ الأسديّ عن الشهيد رحمهم الله تعالى)، وفي إجازة الشيخ علي بن هلال الكركيّ للمولى المحقِّق ملك محمَّد بن سلطان حسين الأصفهانيّ: (يروي عن الشيخ محمَّد بن المؤذن الجزينيّ  بالطريق نفسه).

     لم تذكر المصادر التي ترجمت للشيخ محمَّد بن شجاع القطَّان الأنصاريّ إلى سنة ولادته، سوى أنَّه وُلِدَ في الحِلَّة في المئة التاسعة للهجرة، وكان مُعاصرًا للشيخ أحمد بن فهد الحِلِّيّ، والشيخ أحمد بن فهد الأَحسائيّ، والشيخ الحسن بن راشد الحِلِّيّ وغيرهم.

ولم تتناول المصادر سيرته سوى ما قدّمناه  عنه، ولم يذكر أحد سنة وفاته، غير أنَّه كان حيًّا سنة (831هـ) اعتمادًا على خطِّه عبر تبييض مسودة كتابه (نهج العرفان في أحكام الإيمان)، وإجازته لتلميذه الحسن بن مطر الجزائري سنة (834هـ).

 أما مرقده فمعروف مشهور في الحِلَّة في محلة المهدية في (عگد الحاجة أنيسة) في الزقاق المُقابل لسوق الحدادين، ويقع ركنًا عند ملتقى زقاقين داخل غرفة متوسطة الحجم لكلٍّ منها شباك حديديّ يظهر منه الضريح المرتفع عن أرض الغرفة مقدار متر واحد، وبعرض نصف متر، مُغطى بكساء من القماش الأخضر، ويقابل المرقد بيت المرحوم  السيِّد آية الله العظمى العلَّامة السيِّد مسلم السيِّد حمود آل عزّام الحسينيّ الحِلِّيّ (ت 1982م).

 

 


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :