مركز تراث الحلة
محطّة قطار الحلّة  في كان ياما كان
التاريخ : 5 / 7 / 2020        عدد المشاهدات : 1830

تشيخ الذاكرة، ويكون حضورها وهناً مع تقادم الزمان، غير أنّ تدوين تلك المعالم جدير ببقائها حيًة، يمكن للأجيال أن تتعلّم من تجربتها بصفتها تراثًا خصبًا، وعطاءً محمودًا؛ فهي ضرورة لابدّ من الحرص عليها والتذكير بوجودها ولتكون مؤشراً على امتداد وخصوبة الحياة الإنسانيّة.

ومن المعالم المعروفة التي تمّ تشكيلها في مدينة الحلّة هي إدارة سكك الحديد في العراق، وقد تشكلت في شهر أيلول عام 1916م، تحت سيطرة القوات العسكريّة البريطانيّة، ثمّ انتقلت هذه الإدارة من عهدة المحتلّ إلى الإدارة المدنيّة في بداية شهر نيسان من العام 1920م، وقد تحوّلت بعدها ملكيّة سكك الحديد إلى الحكومة العراقيّة في 16/4/1936م، وأصبحت تسمّى بـ:(سكك حديد الجمهوريّة العراقيّة), وبذلك أصبح هذا اليوم عيدًا لسكك الحديد العراقيّة يُحتَفَى به في كلّ عام، وتمّ إصدار قانون لمصلحة سكك الحديد رقمه 24 لسنة 1952م.

القوات العسكرية البريطانية

وفي عام 1956م، افتتح الملك فيصل الثاني مستشفى مرجان وأقيمت له مأدبة عشاء في دار استراحة محطّة قطار الحلّة الذي كان يسمّى(ريست هاوس) وهذا الحدث كان مهمًا لسكّان حيّ السكك الذي كان أغلبهم موظفين وعمالًا في المحطّة.

وذكر الرياضيّ المعروف يحيى خضير شداد وهو الذي كان يلقّب بـ(يحيى سكك): أنّ دار استراحة السكك كان يشغل حيزاً كبيراً في الحيّ حيث الغرف المتعدّدة والمجهّزة بالأثاث الفاخرة والحدائق الغنّاء التي تزيّنها أشجار اليوكالبتوس العالية المعمّرة، كما كان فيها مسرحًا لأحياء الحفلات الترفيهيّة فضلاً عن المهرجانات والتجمّعات وكانت تقام الولائم التي يشرف عليها طباخ هندي يُطلق عليه لقب السيكة أو البيكة وكان يمتاز بالخلق الحميد وقد أعلن إسلامه في العراق واختير له اسم محمد صالح، ثمّ تزوّج من امرأة عراقيّة مسلمة أنجبت له ولدين هما (طالب، وعبدالحسين) تزوج طالب ورزق بولد أسماه غالب وقد سكن في حي شبّر وكان موظفاً في السكك.

الملك فيصل الثاني يفتتح مشفى مرجان

وحين علم ناظر المحطة المرحوم فرهود حسن أن الملك سيكون هو الضيف وسيتناول العشاء في دار الاستراحة قام بتزيين دار الاستراحة بالنشرات والمصابيح الملوّنة التي غطّت الأشجار فكان منظرًا رائعًا يبعث البهجة والسرور، وقد عاونه بهذا العمل عدد من العمال وهم خضير شداد وكحط موسى وجاسم الصغير وعبد الرضا عبد زيد وكلّهم من الناس البسطاء يدفعهم حبّا لمدينة وأهلها وقد استمرت الشجرة تبعث نورها وبهجته الأسبوع بعد زيارة الملك.

لقد صدر قانون مصلحة سكك حديد الجمهوريّة العراقيّة برقم 33 لسنة 1965م.

كما صدر قانون المؤسّسة العامة للسكك الحديد العراقيّة في 20/5/1965م.

وفي عام1967 تمّ تشغيل أول قطار على الخط القياسيّ بين بغداد والبصرة، ومع ارتفاع عدد المسافرين، وحركة القطارات، فقد أنشئ حيّ السكك والمحطّة حين كان العراق يرزح تحت وطأة الاحتلال البريطانيّ، وقد تمّ بناء بعض الدور للموظّفين والعاملين في المحطّة وكانت دور العمّال مشيّدة من مادة الطين.

أمّا نسوة الحيّ فكنّ يَقُمنَ بالعديد من المهن منها: صناعة التنانير، والسلال والمهافيف، وتطريز العبي، والملابس، والخبز الذي كان يبيعه الأطفال على المسافرين وكانت المراوح اليدوية (المهافيف) هي الأكثر شيوعًا، ورحم الله شاعرنا الرصافي حين قال:

ومروحة في القيظ لم تخلُ من يدِ             وفي القرّ تجفوها أكفُّ الحبائبِ

وكان العمل في محطّة القطار، يقسم إلى عدّة أقسام في ذلك الوقت منها على سبيل المثال: ناظر المحطّة: وهو المسؤول عن إدارة شؤون المحطّة وأقسامها المتعددة؛ لتنظيم حركة سير القطارات المختلفة بتوقيتاتها وتزويدها بما تحتاج، ويقوم بتهيئة عوامل الراحة للمسافرين، ومن الذين تولّوا إدارة ونظارة المحطّة كان فرهود حسن، وإسماعيل الدليميّ، وانترانيك وهو رجل مسيحيّ، وهادي محمود، وكان لناظريّ المحطّة عدد من المعاونين يتوزّعون على عدد من الأقسام منها: قسم الناظر الفني: وواجبه يتمثّل بصيانة السكّة الحديديّة ومقاصّ التبديل وترميم الأبنية وكلّ ما يتعلّق بحركة القطارات.

ومن الذين تولّوا مهنة الناظر الفنّي: فنر الحديثيّ، وعامر حسين مغير، والمرحوم رسول خضير شداد، وهو رئيس فريق السكك الكرويّ وكان ـ رحمه الله ـ لاعبًا مميزًا بكرة القدم.

أمّا واجب قسم المفصليّين(المقصچيّة):فهو تغيير حركة سير العربات وفصلها عن القطارات، واستدارات القطار من الشمال إلى الجنوب وبالعكس بعد أن يتمّ تفريغ ما بها من حمولة مخصّصة إلى لواء الحلّة، وكان المقصچيّة يتعلّقون بالعربات حاملين رايتين واحدة حمراء وهي علامة التوقف، والأخرى خضراء وهي علامة الأذن بالسير، ويبقى أحد المقصچيّة ممسكاً بالمقصّ الحديديّ الذي يغيّر سير القطار ومن أشهر المقصچيّة في محطة قطار الحلّة: المرحوم علي حسن كركوش، والحاج فيروز، والمرحوم خيزران، وحرّان أبو سامي، وسيد حميد وغيرهم.

وتتلخّص واجبات العاملين في قسم رزم بضائع المسافرين: بجرد الرّزم ووزنها وتعليق أسماء أصحابها لشحنها إلى المكان الذي يريد كلّ منهم إيصالها، ومن الذين تولّوا هذا العمل السيد مزهر حسن كركوش.

فيما يقوم منتسبو قسم التنظيف: بتنظيف جميع مرافق المحطّة بعد مغادرة المسافرين وأبرزهم المرحوم ناصر عباس الذي كان يحظى بشعبيّة كبيرة في الحيّ؛ لنفسه الطيبة، وروحه الفكهة، والمقالب الجميلة التي كان يقوم بها، فضلاً عن أنّه كان يكتب الشعر، كما كان له دور مميّز وكبير مع المرحوم الرياضيّ والأديب جعفر خضير شداد في الإعداد والتحضير للاحتفالات التي كانت تقيمها نقابة عمال السكك على مسرح دار الاستراحة, حيث يقومان بإعداد البرنامج الترفيهيّ الذي يساهم في تخفيف معاناة أهل الحيّ، وتهوين مصاعب المهنة، ومن المنلوجات المشهورة التي كان يردّدها وحفظها الناس عن ظهر قلب، المنلوج الذي يحكي معاناة العاملين مع الراتب الشهريّ ولاسيما عندما يأتي القطار الخاصّ بتوزيع الراتب فيصطف الجميع وهم يردّدون هذه الكلمات:

الناس ما تدري شصار  من هالراتب يا ستار

يمّ الصرّاف بلحظـــــــة     وزّعته لأهل القرضه

خلّاله جناحات وطـــــار  من هالراتب يــا ستّار

وللمحطّة مركزان لتزويد القطار بالماء أولّهما للقطار الصاعد، والآخر للنازل وكان يعمل في هذا القسم المرحوم خضير حسين مظلوم، ومهدي أبو صالح، وسيد حسين السعبريّ.

ويوجد في المحطّة قسم البضائع: ومكانه خلف بناية نادي بابل الرياضيّ وواجب العاملين فيه تفريغ البضائع المختلفة الخاصّة بلواء الحلّة، ويحتوي على مخازن كبيرة وكان المسؤول عن هذا القسم المرحوم الشيخ علاوي حسين والد الشيخ رعد علّاوي، وكذلك المرحوم نادي علي الطائي والد المرحوم كاظم الطائي.

ويقوم قسم الاتصالات: (التلّغراف)باستلام توقيتات حركة القطارات والإيعاز إلى برقيّة الأقسام بالاستعداد لاستقبال القطارات حيث توجد إشارة في بداية مدخل المحطّة والخروج منها، تبعد عن مركز المحطة بمسافة تقدر بحوالي 500م شمالاً وجنوبًا، يعرف من خلال إنزالها للأسفل أنّ هنالك قطارًا في طريقه إلى المحطّة وبذلك تتّخذ الإجراءات اللّازمة.

ولقسم الشرطة في هذه المحطة: بناية خاصّة لمنتسبي القسم، واجبهم توفير الأمن للمسافرين والسهر على ممتلكات المحطّة، وكان مسؤول القسم رئيس عرفاء شرطة مع رتب أخرى أدنى.

وكان مسؤول القسم هو الآمر الناهيّ والحاكم في المحطّة والحيّ، وكان يتابع المشاكل الاجتماعيّة والخلافات التي تحدث بين العمال والموظفين.

لقد كان رئيس عرفاء الشرطة المرحوم كاظم نجم أبو سهيل حازمًا وكان الناس يهابونه، أمّا الأطفال فإنّهم يخافون منه ويتفرّقون حال ما يعلمون بأنّه في مكان قريب منهم فيهرب من يلعب في الدعبل والجعاب كلّ إلى بيته.

وكان أهل الحيّ يقدّمون الخدمات: ومن الخدمات التي كانت تقدم للمسافرين في هذه المحطّة، كان مقهى الحاج علي الشطّي وولده كامل، والعامل الذي يقوم بصنع الشاي هو المرحوم سعيد، وكان هذا المقهى أول مقرّ لفريق السكك الرياضيّ الذي أسّسه المرحوم رسول خضير شداد وشقيقه المرحوم جعفر خضير شداد وكان الفريق يتلقّى الدعم البسيط من نقابة عمّال السكك التي كان يرأسها المرحوم عبد الله الزبيديّ، ويوجد في المحطّة مطعم تباع فيه المشويّات، ويقوم المرحوم هاشم العجيلي ببيع هذه الأكلات، وكان يباع في المحطّة: البيبسي كولا، واللّبن، والكرزات، وحزم الخيار، وأكياس العنب، والتين، فضلاً عن الصناعات اليدويّة البسيطة، وغير ذلك من الأشياء التي يحتاجها المسافر.

لقد كانت القطارات تعمل بواسطة الماء(البخار)، ومقاعد جلوس المسافرين فيه خشبيّة، وخطّ هذه القطارات كانت تسمى بـ(المتري)، وفي عام 1963م، تمّ تغيير نظام سير القطارات واستوردت الحكومة قطارات حديثة فيما استبدل الخط القديم(المتري)، بالخط الجديد الذي توسعت فيه المسافة بين السكتين كما تغيّرت العديد من الأمور حيث تمّ إنشاء بيوت جديدة للعمّال من الطابوق كما رحل العديد من الجيل القديم من العمّال والموظّفين وحلّ محلّهم جيل آخر يحمل معه العلم الخاص بالسكك الحديديّة كما استبدلت العوارض الخشبيّة التي كانت تستند عليها السكة الحديديّة بعوارض كونكريتيّة، تماشيًا مع التطوّر.


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :