تقترن ثقافةُ كلِّ امرئ بأصولها، تلك الأصول التي تبنى عليها شخصية الفرد، فإن كانت أصولاً هشّة وضعيفة، أنتجتْ بناءً خاوياً وهزيلاً، لا يَقوى على مواجهة الانحراف ومُقاومة العابر، أمّا إذا كانت أصولاً قويّة وراسخة تتغذّى على منابع الفكر الصحيح، فإنها تتهجَّى طريقها على مشكاة الإيمان وقوّة الإرادة.
ولعلَّ الباحثَ التراثيّ والمؤرِّخ عدنان سماكة واحدٌ من تُراثيّي مدينة الحلّة، ومُثقّفيها، فهو ينتمي منذ نشأته الأولى إلى ثقافة هذه المدينة وتاريخها الزاخر بالأسماء المبدعة في مختلف الثقافات.
إنَّه اسمٌ عاش في وجداننا، وتردّد كثيراً على ألسنتنا، أديب ومؤرِّخ تراثيّ فاضل، اختطَّ طريقَه منذ الطفولة عبر مؤسّسةٍ دينيةٍ استقامت لها أبجديات الزهد والحِلم والتقوى.
والرَّاحل واحدٌ من هذه الرموز الثقافيّة والأدبيّة والتراثيّة الحلِّية، ترجع أصولُه إلى آل سماكة، من قبيلة ربيعة ـ فخذ الأمارة - وهي العائلة التي عُرفت منذ أربعينيات القرن الماضي بممثليّة المرجعيّة الدينيّة في النجف الأشرف؛ إذ كان الشيخان محمّد سماكة وعليّ سماكة مُمثِّلَينِ كَبيرينِ لهذه المرجعيّة في منطقة الفرات الأوسط.
وأتذكُّرُ -وأنا طفلٌ صغيرٌ- أنَّ هلال العيد الذي يبشِّرون بقدومه في المناسبات الدينيّة لشهري رمضان المبارك وذي الحجّة لا يقرُّ الاعتراف بحلوله إنْ لم يصدر عن أحد الشيخين رحمهما الله؛ ذلك لأنّ هذه العائلة تتمتع بقدسية خاصَّة ورمزيّة مشهودة في مجال الفقه والوعظ والإرشاد .
وُلِدَ عدنان سماكة في مدينة الحلَّة، محلّة الورديّة عام 1934م، لأبٍ كان شيخاً يعمل في تعليم الصبيان القراءة والكتابة، ولمَّا بَلَغَ السادسة من العُمر دَخَلَ مدرسة الفيحاء الابتدائية عام 1941م، وتدرَّج في الحصول على الدراسة المتوسّطة حيث انتظم في الدخول إلى دار المعلِّمين الابتدائية في بغداد، وتعرَّض إلى الفصل من الدار في سنته الأُولى، لاتهامه بالمشاركة في انتفاضة عام 1952م، ثمّ شُمِلَ بالعفو العام لِيُعاود الدراسة مرَّة ثانية، وتخرَّج مُعلِّماً للغة الانكليزيّة، وعُيِّن مُعلِّماً في مدارس الحلّة، غير أنَّ طموحه لم يتوقّف، إذ ما لبث أن عاد مرّة أخرى إلى مقاعد الدراسة الجامعيّة في الجامعة المستنصريّة سنة 1963م، ليكمل فيها دراسته الجامعيّة، ويتخرَّج فيها مدرِّساً للغة العربيّة.
مارس تدريس اللغة العربيّة في مدارس مركز مدينة الحلَّة المختلفة سنة 1968م، وتنقَّل في العديد منها، كما عمل -إضافة إلى وظيفته - أميناً لمكتباتها؛ لحرصه الكبير على تطوير هذه المكتبات، ومساعدة الطلّاب في الدراسة وتحفيزهم على الكتابة.