مركز تراث الحلة
الشيخ محمَّد آل حيدر
التاريخ : 5 / 9 / 2020        عدد المشاهدات : 2140

اقترنت البطولة بالعلم فأصبحنَّ ينبوعًا تفجَّر نبعه في أشرف بيت في تاريخ البشريَّة، هو بيت الوحي والرسالة ومعدن العلم، البيت الطاهر الذي أذهب الله تعالى عن أهله الرجس وطهَّرهم تطهيرًا، البيت الكريم الذي شعَّ مِنه نور الإسلام، وأثبته أهل هذا البيت ببطولاتهم وعلمهم الربانيّ، وقد نهل ذوو النهى مِن هذا النبع فأصبحوا مجتمعين في مؤسسة شريفة كريمة (الحوزة العلمية)، وقد نهجَ رجالها ذلك النهج السوي، فكانوا رجالًا جمعوا بين العلم والمعرفة، وبين البطولة الفذة وما زالوا وسيبقون بإذن الله، (رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه)، نذكر منهم:

الشهيد الشيخ محمَّد حيدر: هو محمَّد بن جعفر بن باقر بن علي بن محمَّد علي بن حيدر بن جبر(الجبري) العامريّ القيسيّ المعروف بـ(محمَّد آل حيدر)، ولد في مدينة سوق الشيوخ في الناصرية سنة (1346هـ / 1927م)، ونشأ في كنف أبيه الذي تزعم الدين، وكان يشاهد الأبطال المدججين بالسلاح، والشخصيات العاكفة على دار أبيه، فاعتد بنفسه بالآداب الاجتماعيَّة وأصولها عند العشائر وبما أنَّه سار على نهج أسلافه أخذ يطمح أن يفعل ما هو الأفضل فصارت عينيه تصبو نحو النجف الأشرف مدينة أمير المؤمنين الإمام علي(عليه السلام)؛  ليغترف من علوم وعلماء تلك المؤسسة، وصبر حتَّى سنة 1945م، وقد نالَ مراده حيث ذهب مع أبيه وأخيه موسى إلى النجف وبدأ عهدًا جديدًا في حياته، عهدًا كان ملؤه التفاني في حبِّ العلم فأخذ يدرس على يد أفاضل العلماء وهم :

 محمَّد باقر القرشيّ، والشيخ محمَّد تقي الجواهريّ، والحجَّة السيِّد إسماعيل الصدر، والعلَّامة الشيخ علي زين الدين البصريّ، والشيخ محمَّد طاهر آل الشيخ راضي، والسيِّد محمَّد تقي بحر العلوم، وآية الله العظمى السيِّد مُحسن الحكيم، وآية الله السيِّد حسين الحماميّ، والسيِّد أبو القاسم الخوئيّ.

وقال عنه أستاذه الشيخ محمَّد باقر القرشيّ " العلَّامة الشيخ محمَّد آل حيدر مِن أفذاذ أهل العلم، ومِن حسنات الحوزة العلميَّة ومن دعائم الأدب العربيّ ".

أتقن علم النحو وصار مُدرسًا فيه، وبعد ذلك علم المنطق وعلم المعاني والبيان وغيرها من المقدمات التمهيديَّة للفقه على يد السيِّد الخوئيّ (قدس).

السيد  أبو القاسم الخوئي (قدس سره)

  لقد عانى الشيخ محمَّد آل حيدر مِن الحالة الاقتصاديَّة، لذلك قلَّ ذهابه الى الحلقات الدراسيَّة، ثم انتقل في عام 1958م، الى جلولاء تكليفًا من قبل السيِّد الحكيم؛ ليكون وكيلًا عنه في هذه المنطقة، فقام بواجبه بالوعظ والإرشاد والتوجيه، ولضرورة ملحة غادرها إلى بغداد بحسب التكليف الشرعي الآخر لحلِّ مشكلات حصلت في منطقة (تل محمَّد)، ليعود بعد قضاء سنتين من الجهاد إلى جلولاء لسد الفراغ العلميّ والفقهيّ.

كما ذكر الشيخ باقر شريف القرشيّ:" أنَّ الشيخ عانى كذلك الحال في جلولاء؛ وذلك لأنَّ أغلب أهلها مِن العمال الذي يسعون وراء لقمة عيشهم وليست لهم اهتمامات أدبيَّة وفقهيَّة وثقافيَّة وقد انكشف همَّهُ ذلك جليًا في مقطوعته الأدبيَّة الحزينة التي خاطب بها أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام):

هاموا بلبنان وكان هيامي
 

 

بك لا بغيرك يا مقر امامي
 

حظي من الحرمان أنَّك طاردي
 

 

وعلى ترابك بلسم لسقامي
 

تربت يداك فلست أوَّل خاسر
 

 

يا بائعًا درًا على فحام
 

طافت بي الأزمات يتبع بعضها
 

 

بعضًا فمن ألم إلى آلام"
 

 

الشيخ محمد آل حيدر بين جمع من اهالي سوق الشيوخ

وبعد الترحال والمسيرة الأدبيَّة والجهاديَّة التي دامت عشر سنوات استقر الشيخ الشاعر محمَّد آل حيدر في الحِلَّة بأمر السيِّد مُحسن الحكيم (قدس سره)، وقال: " انتقلت إلى الحِلَّة بلد العلم والأدب والمعرفة والنبل والوداعة، وما زلت أقوم بها بدوري الدينيّ حسب ما يتسع الجهد العلميّ وما تقتضيه الفترات من ضروب الأخذ والعطاء".

وبعد وفاة السيِّد الحكيم انتقلت الزعامة الدينيَّة إلى السيِّد الخوئي فبقي الشيخ محمَّد آل حيدر وكيلًا عنه في الحِلَّة استمرارًا لوكالته للسيِّد الحكيم، وقد اتخذ مِن مسجد ابن النما الحِلِّيّ مقرًّا له وأصبح المسجد بمثابة مدرسة علميَّة أدبية للوعظ والإرشاد وتهذيب النفوس وكان يلقي محاضرته العلميَّة فيه ويقيم الصلوات جماعة مع عدد غفير من المؤمنين الصالحين.

السيد محسن الحكيم (قدس سره)

 أمَّا مسيرته الجهاديَّة فقد بدأت من ولده (مرتضى)، الذي قُتل مِن دون أيِّ مبررٍ بعد تعقبه ومتابعته؛ ثم التحق (باقر) وهو الابن الآخر للشيخ بركب الشهداء في المقابر الجماعيَّة عام 1991 م، بعد اعتقال والده.

وخُتمت تلك الحياة العطرة المعطرة بالعلم والأدب والبطولة والجهاد، بالاستشهاد في آذار عام 1991م، سائرًا على نهج أبي الأحرار الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه وعلى أهل بيته وصحبه أجمعين)، في أعظم شعار رفعه بوجه الطاغية (هيهات منا الذلة).

 


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :