مركز تراث الحلة
  الفقيه محمَّد بن معيّة الدّيباجيّ الحِلِّيّ سيرته ومؤلَّفاته
التاريخ : 10 / 10 / 2020        عدد المشاهدات : 1303

سبقت النهضة العلميَّة والأدبيَّة في الحِلَّة تمصيرها، وتألَّقت بعدها فقد جعل الله جلّ وعلا أفئدةً من الناس تهوي إليها، فضلًا عن حسن خلق مُمصّريها واهتمامهم بالأدب ممَّا جعلها تسمو في آفاق واسعة، وقد ساعد هذا المناخ العلميّ والأدبيّ على بروز أسر وشخصيات عاهدوا الله ورسوله بأن يكونوا واسطة للحفاظ على التراث الإسلاميّ، وتخليد مدرسة الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، التي تخرَّج فيها كثير من الشخصيّات التي خلّفت إرثًا كبيرًا كان حقًّا على أحفادهم أن يتناوشوه بجدارة ويبدون آرائهم ويفندوا محاولات الأمويِّين والعباسيِّين لتحريف بعضها، والنيل من البعض الآخر، وقد تصدَّى أولئك الرجال لهذه المحاولات البائسة، وسجَّلوا مواقف مشرِّفة للمحافظة على الشريعة الإسلاميَّة، ومدرسة الكوفة التي يرفع لواءها اليوم كلّ المنصفين من العلماء والأدباء، ويبقى العالم الإسلاميّ مُدينًا لها على مدى الدهور، ومن تلك الشخصيّات كان الشاعر السيِّد محمَّد بن معيّة الحِلِّيّ، وقد نبغ هذا الرجل الأديب في أسرة عرفت بالتقوى والولاء لآل بيت النبيّ الكريم محمد (صلّى الله عليه وآله)، وخاضت في ضروب العلم والأدب كلّها فحباها الله بتخليد ذكرها وبما تركه أبناؤها من إبداعات علميَّة وأدبيَّة، كما ابتهج الشعر على ألسن رجالها وهم يتغنون من خلاله بحبِّ محمَّد وآل محمَّد (صلّى الله عليه وآله)، وعن هذا الشاعر الكريم نذكر قول السيِّد مُحسن الأمين في كتابه (أعيان الشيعة) هو: " محمَّد ابن القاسم ابن الحسين ابن القاسم ابن محمَّد ابن الحسن ابن معيّة الحسنيّ، الحِلِّيّ، ينتهي نسبه إلى أبي القاسم المشهور بابن معيّة ابن الحسن ابن الحسن ابن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر ابن الحسن المثنّى ابن الإمام السبط الحسن المجتبى (عليه السلام)،  ويُكنَّى أبا تاج الدين، أو أبا عبد الله ".    

 

وأضاف الأمين نقلًا عن الشهيد الثاني في إجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد  " ورأيتُ خط هذا السيِّد المعظَّم بالإجازة لشيخنا الشهيد محمَّد بن مكّيّ، وولديه محمَّد وعلي، ولأختهما أمّ الحسن فاطمة المدعوّة بـ (ستّ المشايخ).

وقال تلميذه النسَّابة السيِّد جمال الدّين أحمد بن علي الحسينيّ المعروف بابن عِنَبَة المتوفى سنة 828 هـ في كتابه(عمدة الطالب): "وكان لجلال الدّين أبي جعفر القاسم بن الحسين بن القاسم بن الزكيّ الأوَّل (والد المترجم له)، ابنان: أحدهما زكي الدين، مات عن بنت وانقرض، والآخر (والكلام لابن عنبة، تلميذ محمَّد بن معيّة)، شيخي المولى السيِّد العالم الفقيه الحاسب النسَّابة المصنِّف تاج الدّين محمَّد، إليه انتهى علم النسب في زمانه، وله فيه الإسنادات العالية والسماعات الشريفة، أدركته ــ قدَّس الله روحه ــ شيخًا، وخدمته قريبًا من اثنتي عشرة سنة، قرأتُ فيها ما أمكن حديثًا ونسبًا وفقهًا وحسابًا وأدبًا وتواريخ وشعرًا إلى غير ذلك، وصاهرته رحمه الله على ابنةٍ له ماتت طفلة، فأجاز لي أنْ ألازمَهُ ليلًا فكنت ألازمه ليالي من الأسبوع أقرأ فيه ما لا يمنعني فيه (عنه) النوم ".

وقال القمِّيُّ في كتابه (الكنى والألقاب): " فقيهٌ، حاسبٌ، أديبٌ، شاعرٌ، نسّابةٌ ".

ونقل الشيخ يوسف كركوش في كتابه (تاريخ الحِلَّة) عنهم: " فمن تصانيفه: (كتاب في معرفة الرجال) خرج في مجلّدين ضخمين. وكتاب (نهاية الطالب في آل أبي طالب) خرج في اثنى عشر مجلدًا ضخمًا قرأتُه عليه أكثره، و(كتاب الثمرة الظاهرة من الشجرة الطّاهرة) أربع مجلّدات في أنساب القبائل والبطون، قرأتُه عليه بتمامه، و(الفُلك المشحون في أنساب الطالبيّين) مشجّرًا، قرأتُ عليه كثيرًا ممَّا خرج منه، ولم يبلغ من هذا الكتاب إلَّا قريبًا من الربع، و(كتاب أخبار الأمُم) خرج منه واحد وعشرون مجلّدًا، وكان يُقدّر إتمامه في مائة مجلّد كلّ مجلّدٍ أربعمائة ورقة، و(كتاب سبك الذهب في سبك النسب) مختصر مفيد قرأته عليه بتمامه، و(كتاب الجذوة الزينبيّة) مختصر قرأته عليه أوَّل اشتغالي بعلم النسب لم أقرأ قبله إلَّا مقدّمة مختصرة لشيخ الشرف العبيدليّ، و(كتاب تبديل الأعقاب)، و(كتاب كشف الالتباس في نسب بني العبَّاس)، و(رسالة الابتهاج في الحساب)، و(كتاب منهاج العمّال في ضبط الأعمال)، إلى غير ذلك من كتبه في الفقه والحساب والعُروض والحديث". وقال محمَّد باقر الموسويّ الخوانساريّ صاحب روضات الجنّات: " كان ـ رحمه الله ـ من أعاظم تلامذة العلَّامة وولده فخرُ المحقِّقين وابن اخته السيِّد عبد المطّلب عميد الدّين والإمام الأعلم نصير الدّين القاشانيّ، وهو من أفخم مشايخ شيخنا الشهيد كما نقل عنه صاحب المعالم في إجازته الكبيرة المشهورة فقال: فهي عندي فأنا أورد كلامه بعينه، وهذه صورته: فمن مشايخي الذين أروي عنهم (سأذكر الحِلِّيّين فقط)، مولانا الشيخ الإمام الربّاني السعيد جمال الدين أبو منصور الحسن بن المطهَّر قدَّس الله سرّه، وشيخي المرحوم علم الدين المرتضى علي بن عبد المجيد بن فخّار الموسويّ، والسيِّد الجليل السعيد المرحوم رضي الدين أبو القاسم بن السعيد غياث الدّين عبد الكريم بن طاووس الحسنيّ، ووالدي السعيد أبو جعفر القاسم بن الحسين بن معيّة الحسنيّ، والفاضل السعيد المرحوم تاج الدّين أبو علي محمد بن محفوظ بن وشاح، والشيخ الأمين زين الدين جعفر بن علي بن يوسف بن عروة الحِلِّيّ، والشيخ السعيد مهذّب الدين محمود بن يحيى بن محمود بن سالم الشيباني الحِلِّيّ، (وغيرهم وهم كثيرون)". وجاء في كتاب(سبك الذهب في سبك النسب)، للسيِّد النسّابة ابن معيّة الديباجيّ الحلّيّ، شيخ النسَّابة السيِّد أحمد بن علي بن الحسين ابن عِنَبَة مؤلِّف كتاب "عمدة الطالب" أوَّله (الحمدُ لله الّذي خصَّ نبيّه محمَّدًا المصطفى بخير النبوّة كما خصّه بخير النفوس وأنبته من مغارس الفخار المعرق والشرف القدوس)، قال فيه ((هذا ما سألتني من إملاء مختصر في أنساب بني هاشم الكرام)) قال تلميذه ابن عِنَبَة في "عمدة الطالب" هو مختصر مفيد قرأته عليه بتمامه وقيل إنَّه موجود في خزائن النجف وغيرها، نسخة ناقصة منها مكتوب عليها أنَّها "سبك الذهب " في مكتبة(الشيخ علي كاشف الغطاء)، وينقل فيه كثيرًا عن شيخه السيِّد تاج الدّين ابن معيّة، وهي بخطّ السيِّد حسّون البراقيّ كتبها عن نسخة خطّ السيِّد حسين بن عارف الحسنيّ الّذي فرغ منه(972هـ)، ولذا نسب السيِّد جمال الدّين عبد الله الحسينيّ الجرجانيّ فيما كتبه في "مشجّر الخاتون آباديين" كتابَيْ (العُمدة والسبك) كلاهما إلى السيِّد جمال بن عِنَبَة الحسينيّ، ونسخته التامة في مكتبة(الصدر) وظنّ البعض أنّ السبك هذا هو عين "عمدة الطالب الصغرى"، ومن كتبه هو تذييل الأعقاب في الأنساب، بحسب ما جاء عن البغداديّ في إيضاح المكنون.

وذكر ابن عِنَبَة في كتابه (عُمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب): " وكان إليه إلباس خرقة التصوّف من غير منازع في ذلك لا يلبسها أحد غيره أو من يُعزى إليه، فأمَّا النسب فلمْ يمُت حتّى أجمعَ نُسّاب العراق على تلمذته لهم والاستفادة منه... حتَّى إنِّي رأيتُ في كتاب مشجّر بخطِّ السيّد أبي المظفّر بن الأشرف الأفطسيّ اسم النقيب تاج الدّين وقد كتب تحته: ((قرأتُ عليه واستفدتُ منه))، وكان أبو المظفّر أسنَّ من النقيب تاج الدّين بكثير، فسألت النقيب تاج الدّين ما قرأ عليك أبو المظفر؟، فقال: لم يقرأ عَليَّ شيئًا يعتدُّ به، بل ما يخطر ببالي إلَّا أنَّه كان يومًا على باب القبّة الشريفة بالغريّ في الإيوان المقابل، فوصل إلى مكان ــ ذكره النقيب ونسيته أنا ــ قال: فسألني عنه فأخبرته، وكان متقدِّمًا في هذا الفنّ قريبًا من خمسين سنة يشار إليه بالأصابع، فأمّا روايته واتساعها ومعرفته بغوامض الحديث وإلحاقه الأحفاد بالأجداد فأمر لم يخالف فيه أحد، ومن أشعاره قوله:

ملكتُ عنان الفضل حتى أطاعني                      وذلّلت منه الجامح المتعصّبا

وضاربتُ عن نيل المعالي وحوزها                      بسيفي أبطال الرجال فما نبا

وأجريت في مضمار كلّ بلاغةٍ                            جوادي فحاز السبق فيهم وما كبا

ولكنّ دهري جامح عن مأربي                            ونجمي في برج السعادة قد خبا

ومن غلب الأيام فيما يرومه                               تيقَّن أنَّ الدهر يضحى مغلّبا

وتعداد فضائل النقيب تاج الدّين محمد (رحمه الله) يحتاج إلى بسط لا يحتمله هذا المختصر، وتوفي (رحمه الله) عن بنات ".

 وقال القمِّيّ: " من شعره قوله لمّا وقف على بعض أنساب العلويِّين ورأى قبح أفعالهم، فكتب عليه:

يعزّ على أسلافكم يا بني العلى                           إذا نال من أعراضكم شتم شاتمِ

بنوا لكم مجد الحياة فما لكم                                 أسأتم إلى تلك العظام الرمائم؟

أرى ألفَ بانٍ لا يقوم لهادم                                 فكيف ببانٍ خلفه ألفُ هادمِ

وذكر القمّيّ: أنّه " توّفي بالحلّة في 8 ربيع الأول سنة 776ه‍جريّة، وحُملت جنازته إلى مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام).


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :