مركز تراث الحلة
شاعر أهل البيت... ابن الحجاج النيلي
التاريخ : 15 / 2 / 2021        عدد المشاهدات : 2961

    عالم وأديب له في العلم قدم راسخة وفي الأدب فنون شامخة، ينم عن مقامه الرفيع في العلوم الدينية وتضلعه منها وشهرته فيها، وهو أحد نوابغ شعراء الشيعة، والمقدم بين كتّابها، والغالب على شعره العذوبة والانسجام، وتأتي المعاني البديعة في طريقته إلى ألفاظ سهلة، وأسلوب حسن، وسبك مرغوب فيه، اخترع منهجاً لم  يُسبق إليه، وتبعه فيه الناس.

     أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج النيلي، لم يعرف تاريخ ولادته، ولكن الباحث عنها يقطع بأن الرجل ولد في المئة الثالثة وعاش عمراً طويلا في حدود المائة والثلاثين، أحد العمد والأعيان من علماء الطائفة، وعبقري من عباقرة حملة العلم والأدب، وقد عده صاحب ( رياض العلماء) من كبار العلماء، كما عده ابن خلكان وأبو الفداء من كبار الشيعة، والحموي في ( معجم  أدبائه)من كبار شعراء الشيعة، ومن فحول الكتّاب، فالشعر كان أحد فنونه، كما أن الكتابة إحدى محاسنه الجمّة، تولى (الحسبة) مرتين في بغداد، والحسبة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس كافّة ولا تكون إلا لوجيه البلد، قال الثعالبي: سمعت به من أهل البصيرة في الأدب وحسن المعرفة بالشعر على أنه فرد زمانه في فنه الذى شهر به وأنه لم يسبق إلى طريقته، ولم يلحق شأوه في نمطه ولم ير كاقتداره على ما يريده من المعاني التي تقع في طرزه، مع سلاسة الألفاظ وعذوبتها وانتظامها في الملاحة والبلاغة، كما أن جل شعره يعرب عن ولائه الخالص لأهل البيت (عليهم السلام)، والوقيعة في مناوئيهم.

   رتّب ديوانه البديع الإسطرلابي هبة الله بن حسن (ت 534هـ) على واحد وأربعين ومائة باب، وجعل كل باب في فن من فنون الشعر وسماه (درة التاج في شعر ابن الحجّاج)، وللشريف الرضي انتخاب ما استجاده من شعره سماه ( الحسن من شعر الحسين) ورتبه على الحروف، وكان ذلك في حياة ابن الحجاج.

أكثر الشاعر النيلي من مدائح أهل البيت (عليهم السلام) والنيل من مناويهم نظراء مروان بن أبي حفصة حتى أنه ربما كان ينتقد على تشديده الوطيء والنكير المحتدم على فضائع القوم (أعداء آل الله) بلهجة حادّة، وسباب مقذع، غير أن ذلك كله كان نفثة مصدور، وأنّة متوجّع من الظلم الواقع على ساداته أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

    حدّث  السيد الأجل زين الدين علي بن عبد الحميد النيلي في كتابه (الدر النضيد في تعازي الإمام الشهيد) أنه كان في زمان ابن الحجاج رجلان صالحان يزدريان بشعره كثيرا وهما : محمد بن قارون السيبي، وعلي بن زرزور السورائي، فرأى الأول منهما ليلة في الواقعة كأنه أتى إلى روضة الحسين (عليه السلام) وكانت فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) حاضرة هناك مسندة ظهرها إلى ركن الباب الذي هو على يسار الداخل وسائر الأئمة إلى مولانا الصادق (عليهم السلام) أيضا جلوس في مقابلها في الزاوية بين ضريحي الحسين (عليه السلام) وولده علي الأكبر الشهيد(عليه السلام) متحدثين بما لا يُفهم، ومحمد بن قارون المقدم قائم بين أيديهم قال السورائي: "وكنت أنا أيضا غير بعيد عنهم فرأيت ابن الحجاج ماراً في الحضرة المقدسة فقلت لمحمد بن قارون: ألا تنظر إلى الرجل كيف يمر في الحضرة ؟ فقال: أنا لا أحبه حتى أنظر إليه: قال: فسمعت الزهراء بذلك، فقالت له مثل المغضبة : أما تحب (أبا عبد الله) ؟ أحبوه فإن من لا يحبه ليس من شيعتنا.

ثم خرج الكلام من بين الأئمة (عليهم السلام)، بأن من لا يحب أبا عبد الله فليس بمؤمن".

   قال الشيخ محمد بن قارون: ولم أدر من قاله منهم، ثم انتبهت فزعاً مرعوباً مما فرطت في حق أبي عبد الله النيلي من قبل ذلك قال: ثم نسيت المنام ولم أذكره إلى أن أتيح لي زيارة السبط الشهيد (سلام الله عليه) فإذا بجماعة في الطريق من أصحابنا يروون شعر ابن الحجاج فلحقتهم فإذا فيهم علي بن الزرزور وسلمت عليه، وقلت: كنت تنكر رواية شعر ابن الحجاج وتكرهها، فما بالك الآن تسمعه وتصغي إلى أنشاده ؟ فقال: أحدثك بما رأيت فيما يراه النائم فقص عليّ مثل ما رأيته في الطيف حرفيا وحكيته بما رأيت، ثم اتفقا على مدح الرجل وإيراد أشعاره وبث مآثره ونشر مناقبه.

   ويروى أن السلطان مسعود بن بابويه لما بنى سور المشهد العلوي الشريف، ودخل الحضرة الشريفة وقبّل أعتابها وأحسن الأدب، وقف أبو عبد الله ابن الحجاج بين يديه وأنشد قصيدته الفائية التي ذكرناها فلما وصل منها إلى الهجاء أغلظ له الشريف المرتضى ونهاه أن ينشد ذلك في باب حضرة الإمام (عليه السلام) فقطع عليه فانقطع، فلما جنّ عليه الليل رأى ابن الحجاج الإمام عليا (عليه السلام) في المنام وهو يقول: لا ينكسر خاطرك فقد بعثنا المرتضى علم الهدى يعتذر إليك فلا تخرج إليه حتى يأتيك، ثم رأى الشريف المرتضى في تلك الليلة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) والأئمة (صلوات الله عليهم) حوله جلوس فوقف بين أيديهم وسلّم عليهم فأحس منهم عدم إقبالهم عليه فعظم ذلك عنده وكبر لديه فقال: يا موالي أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فبم استحققت هذا منكم ؟ فقالوا: بما كسرت خاطر شاعرنا أبي عبد الله ابن الحجاج فعليك أن تمضي إليه وتدخل عليه وتعتذر إليه وتأخذه وتمضي به إلى مسعود بن بابويه وتعرفه عنايتنا فيه وشفقتنا عليه، فقام السيد من ساعته ومضى إلى أبي عبد الله فقرع عليه الباب فقال ابن الحجاج: سيدي الذي بعثك إلي أمرني أن لا أخرج إليك، وقال: إنه سيأتيك، فقال: نعم سمعا وطاعة لهم، ودخل عليه واعتذر إليه ومضى به إلى السلطان وقصا القصة عليه كما رأياه فأكرمه وأنعم عليه وخصّه بالرتب الجليلة وأمر بإنشاد قصيدته الغرّاء ومنها:

يا صاحـــب القبة البيضاء في النجف        مـن زار قبرك واستشفى لديك شفي

زوروا أبا الحــــــسن الهــادي لعلكم       تحظـــــون بالأجـــر والاقبال والزلف

زوروا لمن تسمع النجوى لديه فمن         يــــــزره بالقـــــبر ملهـوفا لـديه كفي

بحب حيدرة الكرار مفتخري                         به شرفت وهذا منتهى شرفي

 لأنه الآية الكبرى التي ظهرت                       للعارفين بأنواعٍ من الطُرفِ

إذا وصلـــــت فأحـــــرم قبـــــل مدخله      ملبـــــيا واســـــع سعـيا حوله وطف

حـــــتى إذا طفـــت سبعا حول قبته        تأمـــــل البـــــاب تلقـــــى وجـهه فقف

وقـــــل: ســـلام من الله السلام على          أهـــــل السلام وأهـل العلم والشرف

    وله من قصيدة رد بها قصيدة ابن سكرة (ت 385هـ) المتحامل بها على آل الله وشاعرهم ابن الحجاج :

 

فمـــــا وجـــــدت شفـــــاء تستــفيد به            إلا ابتـــــغاءك تهجـــــو آل يـاسين

كـــــافاك ربـــــك إذ أجـــــرتك قـدرته           بســـــب أهـــل العلا الغر الميامين

فـــــقر وكفـــر هميع  أنت بينهما                 حـــــتى المـــــمات بلا دنيا ولا دين

فكـــــان قــــولك في الزهراء فاطمة               قــــول امرئ لهج بالنصب مفتون

عـــــيّرتها بالـــــرحى والــزاد تطحنه          لا زال زادك حـــــبا غـــــير مطحون

وقلـــــت: إن رســـــول الله زوجــها             مسكيـــــنة بنـــــت مسكين لمسكين

ســـــت النــــساء غدا في الحشر يخدمها  أهـــــل الجــنـــان بحـــــور الخرد العـين

   توفي ابن الحجاج النيلي في جمادي الآخرة سنة (391هـ) بالنيل، بعد عمر قضاه مشرداً مضطهداً لولائه للعترة الطاهرة، وحُمل إلى مشهد الإمام الطاهر موسى الكاظم(عليه السلام) ودفن فيه، ويذكر أنه أوصى أن يدفن عند رجلي الإمام (عليه السلام) ويكتب على قبره: ((وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)).

 


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :