المراقد والمقامات الدينية

جامع الملّاك

جامع الملّاك

تُعدُّ المساجد مِن أبرز الوجوه وأهمّها في نشر ثقافة الإسلام الأصيلة، وأحد معالمه الحضاريّة، فالقديمة والأثريّة منها تحتفظ بذاكرة تاريخيّة للمكان والزَّمان الذي شُيِّدت فيه، فبعضها يُعدُّ من النَّفائس العمرانيّة والأثريّة، بينما تعدُّ المشيَّدةُ منها حديثاً امتداداً لذلك الإرث الكبير. شيَّد المسلمون المساجد في مدنهم، واحترمُوها لما تملكه من قدسيّةٍ عندهم، إذ احتلّت مرتبةً مميّزةً ومعظّمة في أفئدة المسلمين، فبها تزكو نفوسُهم، وتطمئنُّ قلوبُهم، وتتآلف أرواحهم وتصفو أذهانُهم، وقد اهتمَّ بها المختصُّون بالتّاريخ والآثار، خوفاً من حرمان الأجيال القادمة مِن الاطّلاع على معالم تاريخهم، وآثار أسلافهم. ونتيجةً لهذا التعلّق بالمساجد وأهمِّيتها فقد ازداد عددُها في المُدن والبلدان، وخصوصاً الإسلاميّة منها، ومِن بين أبرز تلك المدن التي كثرت فيها المساجد منذُ تأسيسها، مدينة البصرة، إذْ اشتهرت بكثرة مساجدها وتنوُّعها، فكانَ جامع الملّاك فيها أحد تلك المساجد العامرة المعروفة بقِدَمِها. تأسيس الجامعِ وأهمّيّة موقعِه: يعدُّ جامع الملّاك من أبرز المساجد التّاريخيّة القديمة في محافظة البصرة، اختزن تاريخ المدينة لعدَّة أجيال، إذ يعود تاريخه إلى ما يقربُ من المائة وخمسين سنة تقريباً، أُسِّس في نهايات القرن التّاسع عشر الميلاديّ، في عام 1868م، على يد الحاج حمود باشا الملّاك، أحد تجّار البصرة، واقترن اسم المسجد باسمهِ، فقد عُرِفَ الملّاك بإيمانه وبصلاح حاله، وهذا المسجد هو أوَّلُ مسجد أُسِّس في منطقة العشّار، شارع الكويت، لكنّه لم يكن الوحيد الذي بناه الباشا الملّاك، فقد بنى مسجداً آخر في العشّار داخل الثّكنة العسكريّة (القشلة)، وبنى أيضاً مسجداً ثالثاً في منتصف طريق البصرة – عشّار (العبّاسيّة)، وبنى الرّابع في كوت الإمارة، فكان لهذا الرّجل الفضل في إنشاء أكثر المساجد في البصرة وقتذاك. ساعد موقع المسجد على نشر الثّقافة الفقهيّة بين النّاس، وتعليمهم الحلال والحرام، إذ يقع المسجد في مكان يعجُّ بالعديد من التّجّار والكسَبة، في قلب المنطقة التّجاريّة، في مركز المدينة، وكان هذا أحد الأسباب التي دعت مؤسِّسهُ إلى بنائِه واختيار مكانه، ومن أجل أن يكتملَ العمل الذي بدأه ويحقّق هدفه، فقد طلبَ الباشا الملَّاك من الشَّيخ (عبد المهدي المظفَّر) أحد أعلام أسرة المظفَّر المعروفة بنشاطها الدّيني في البصرة - والذي أصبح أحد قادة ثورة العشرين فيما بعد - أنْ يتولَّى إقامة صلاة الجماعة في المسجد، ويدير شؤونَهُ، فكانَ أوَّلَ مَن تولَّى المسجد وأقام الجماعة فيه. صفتُه قديماً وحديثاً: يعدُّ هذا المسجد إرثاً تاريخيَّاً مهمَّاً، بُنِيَ في بادئ الأمر من الطّابوق الطِّينيّ غير المفخور، وبُنيَت سقوفُهُ من أعمدة الصَّندل والقصب، كانت مساحتهُ آنذاك لا تتجاوز مائتي مترٍ مربّع، ثم مرَّ المسجد بمراحل التّطوّر العمرانيّ والتوسعة، حتى صارت مساحته الكليَّة الآن ستمائة وخمسين متراً مربَّعاً تقريباً. كانت هذه التوسعة بجهود المرحوم الشيخ محمّد رشاد المظفر(رحمه الله)، وابنه الشيخ علي محمّد رشاد المظفّر، فبُني على الطّراز الحديث، فصار مسجداً ذا طابقين، تتوسَّط فناءَهُ قبّةٌ كبيرةٌ، غُلِّفَتْ من الخارج بما يُعرف بالكاشي الكربلائيّ، ذي اللّون الأزرق، يشبه – بزرقته – السَّماء الصَّافية، منقوش عليها أسماء الأئمّة المعصومين (عليهم السَّلام)، يعلوها لفظ الجلالة واسم النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) واسم أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السَّلام)، صُنعت بشكلٍ زُخرفيٍّ جميل، ومن الدَّاخل زُخرفت بنقوشٍ إسلاميَّةٍ جميلةٍ وبألوانَ زاهيةٍ، ورُصَّعت بآيات من الذّكر الحكيم وأسماء الأئمّة الاثني عشر. وللمسجد منارةٌ عالية تخرج من أحد جوانبه، يُخيّل لك كأنَّها نخلةٌ باسقةٌ، ضربت جذورها في الأرض، أمّا محراب الصَّلاة، فقد عُمِلَ بطريقةٍ معماريّةٍ حديثةٍ، يحوي نقوشاً لآياتٍ قرآنيّة، مع إضاءةٍ خفيفةٍ تُضفي عليه جماليّة روحيّة، ولِمَا للمكتبات من دورٍ كبيرٍ في عمليّة تثقيف الأمَّة وشبابها المؤمن، فقد حوى المسجد فيما سبق مكتبةً عامرةً تضمُّ العديد مِن الكتب القيّمة، لكن – ومع الأسف – فقد تعرَّضت المكتبة إلى عمليات نهبٍ وسرقةٍ أيَّام النّظام البائد أفرغت المكتبة من مقتنياتها. أئمّةُ جماعته ومؤذّنيه: أوَّلُ مَن أقام الجماعة فيه، الشَّيخ عبد المهدي المظفَّر، فكان الإمام والمتولّي، ثمّ من بعده الشَّيخ محمّد حسن المظفَّر، وتبعه بعد ذلك، الشَّيخ محمّد علي المظفّر، ثمّ الشَّيخ محمّد رشاد المظفّر، (رحمهم الله جميعاً)، أمّا الآن فإن إمامه الراتب، هو: الشيخ علي محمّد رشاد المظفّر. وممّن ارتفعت أصواتُهم وصدحت حناجرهم بذكر الأذان فيه: الحاج ملك، والحاج ناصر (رحمهم الله)، والآن، الملَّا غازي، أبرز المؤذّنين في المسجد. زوّاره: زار المسجد العديد من الشّخصيّات الدّينيّة، كان من أبرزها: المرجع الدّيني الشّيخ محمّد حسين كاشف الغطاء، والمرجع الدّيني السَّيد مُحسن الطّباطبائيّ الحكيم، وغيرهم الكثير، أمَّا خطباء وأعلام المنبر الحسينيّ الذين ارتقوا منبره فكان مِن أبرزهم عميد المنبر الحسينيّ فضيلة الشَّيخ الدّكتور أحمد الوائلي "رحمه الله"، والشَّيخ محمّد رضا الحلفي، والسَّيد محمَّد باقر الفالي، وغيرهم من الخطباء. ظروف قاسية: بالنظر لأهميّة المسجد، ومكانته الكبيرة في نفوس روّاده، فقد تعرّض إلى الكثير من المضايقات والمراقبات الأمنيّة أيَّام النّظام البائد، إذْ كانت السُّلطة حينذاك لا تسمح بإقامةِ الشَّعائر الحسينيّة في المسجد، كحال الكثير من المساجد البصريّة، وإنْ أُقيمَت فإنَّها تقامُ بموافقةٍ أمنيَّةٍ تتضمّنها تعهّداتٌ خطيّةٌ، واستدعاءات من قِبل السّلطة آنذاك، وقد قدَّم المسجد العديد من الشُّهداء الشَّباب، منهم الشهيد علي جلوب، والشهيد سمير عبد الصمد المظفّر، وتعرَّض الكثير من روّاده للاعتقال. من مظاهر أنشطته: أُقيمت فيه الكثير من الأنشطة الدّينيّة والثّقافيّة والنّدوات الفكريّة، كصلاة الجماعة، وخطب الوعظ والإرشاد والتّوعية، وإقامة المجالس الحسينيّة، ويضمُّ المسجد- الآن- العديد من المؤسَّسات العاملة على خدمة المجتمع، مِن جملتها: • (مؤسَّسة أنوار المظفّر): وتهتمُّ بطبعِ المنشوراتِ الدِّينيَّةِ وبياناتِ المراجع، وأهمّ الظّواهر التي تطرأ على المجتمع وعلاجها، وإصدار المنشورات التي تخصُّ المسائل العقائديَّة التي تُبيِّنُ سيرةَ أهل البيت سلام الله عليهم. • (حوزة أمير المؤمنين عليه السلام): وهي مدرسة تهتمُّ بتدريس الفقه والأصول والعقائد والأخلاق والنّحو والقرآن، وغيرها، تضمُّ أكثر من مائةٍ وخمسين طالباً من أهالي البصرة، وكلُّ كادرها التدريسيٍّ من البصرة أيضاً. • (جمعيَّة الباقيات الصّالحات): وهي جمعيَّةٌ خيريَّةٌ تهتمُّ بكفالة الأيتام، ومساعدة الأرامل والفقراء، ويبرز نشاطها في شهر رمضان المبارك بتقديم المؤونة للفقراء والمعوزين. • (دار القرآن الكريم): وهي دار تُعنى بتدريس القرآن الكريم وأحكام التّلاوة والتّجويد، وقد خرّجت هذه الدّار العديد من القرّاء الجيّدين، ويوجد تنسيقٌ فيما بينها وبين العتبة الحسينيَّة المقدَّسة في هذا المجال، وتشملُ هذه الدَّورات جميع الفئات العمريَّة من الابتدائيَّةِ والمتوسطةِ والإعداديّة. وما يزال جامعُ الملّاك – بوصفه مسجداً– المكانَ الطبيعيّ لعبادة الله تعالى، وعاملاً مهمّاً على نشر القيم الإسلاميّة، وغرس الآداب والأخلاق الحميدة، ولم يقتصر دوره على الجانب العباديّ فقط، بل بوجود هذه المؤسَّسات الخدميَّة العاملة فيه أصبح مدرسةً متكاملةً مُبيّنةً دوره المهم في تثقيف النّاس وبثِّ روح الوعي فيهم، وتنمية الجانب العلميّ والثّقافيّ. هاني نمر

صور من الموضوع ...

نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7800816579
00964-7800816579
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
turathofbasrah@gmail.com

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...