تاريخ كربلاء

دراسةٌ في نصوص من تراث كربلاء التاريخي

دراسةٌ في نصوص من تراث كربلاء التاريخي

من اكثر ما يميز واقعة كربلاء سنة 61 للهجرة بأنها أكبر وقعة أثرت في حياة بني البشر عبر التاريخ وساهمت بخلق أُطُرٍ حضارية مميزة قامت بسببها جملة من الدول وتغيرت بعناوينها الكثير من مفردات الواقع لملايين بني البشر، وإذا ما أردنا الاستفادة الحقيقية من هذه الوقعة لابدَّ لنا من دراسة نصوصها التي أصبحت اليوم جزءً من تراث كربلاء التاريخي والمعرفي ، وسنقف عند هذا النص التاريخي الذي يترجم ليلة عاشوراء واجراءات الإمام الحسين –عليه السلام- فيها . ولأنَّ الإمام الحسين -عليه السلام- كان يحيط بكل نواحي القيادة الصحيحة ، ويؤمن بأنَّ الجندَ هم عماد المعركة ولابد من بث روح البسالة فيهم ، والإشادة ببطولاتهم ورفع معنوياتهم ، وتقدير جهودهم خطب -عليه السلام- في أصحابه خطبةً مدوَّية ليلة العاشر من محرم ، ويروي الطبري، عن أبي مخنف، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الله بن شريك العامري، عن الإمام السجّاد -عليه ‌السلام- قال:(جمعَ الحسين أصحابه بعدما رجع عمر بن سعد، وذلك عند قرب المساء، فدنوتُ منه لأسمع وأنا مريض، فسمعتُ أبي وهو يقول لأصحابه: أُثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللّهمّ إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن، وفقّهتنا في الدين، وجعلتَ لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ، ولم تجعلنا من المشركين. أمّا بعدُ ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبَرَّ ولا أَوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي جميعاً خيراً، ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، ألا وإنّي قد أذنتُ لكم، فانطلقوا جميعاً في حلٍّ، ليس عليكم منّي ذِمام، هذا الليل غشيكم فاتّخذوه جَمَلاً) وفي رواية بعدها للطبري أيضاً أنّه -عليه ‌السلام- قال:(هذا الليل قد غشيَكم فاتخذوه جَمَلاً، ثمّ ليأخذ كلُّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، ثمّ تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرّج الله، فإنّ القوم إنّما يطلبونني، ولو قد أصابوني لَهو عن طلب غيري). فقال له إخوته، وأبناؤه، وبنو أخيه، وابنا عبد الله بن جعفر: لِمَ نفعل؟! لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول العبّاس بن عليّ، ثمّ إنّهم تكلّموا بهذا ونحوه. فقال الإمام الحسين -عليه ‌السلام- :(يا بني عقيل، حَسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذنتُ لكم). قالوا: فما يقول النّاس؟! يقولون: إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرمِ معهم بسَهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا؟ لا والله لا نفعل، ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا، ونقاتل معك حتّى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك) ثم بدأ أصحابُه يقومون ويتكلمون بنفس كلام أهل بيته الدال على الفداء والنصرة وأنهم لن يخلوا الحسين -عليه السلام- أبداً حتى يُقتلوا دونه وهذا ما تحقق على أرض الواقع. وهنا تأملات : أ- ما جاء حول مرض الإمام السجاد -عليه السلام- ، إن المصادر تكاد تتفق على أنّ الإمام السجاد -عليه السلام- كان يوم كربلاء ، مريضاً ، أو موعوكاً إلاّ أنّها لم تحدّد نوعية المرض ولا سببه ، لكنّ ابن شهر آشوب روى عن أحمد بن حنبل قوله : كان سبب مرض زين العابدين -عليه السلام -أنّه كان يلبس درعاً، ففضُل عنه ، فأخذ الفُضلة بيده ومزّقها. وهذا يشير إلى أنَّ الإمامَ إنّما عُرِّض للمرض وهو على أُهبة الاستعداد للحرب أو على أعتابها ، حيث لا يلبس الدرع إلّا حينذاك ، عادة. ولا ينافي ذلك قول ابن شهر آشوب : « ولم يقتل زين العابدين لأن أباه لم يأذن له في الحرب ، كان مريضاً». ما جاء في أقدم نصٍّ مأثور عن أهل البيت -عليهم السلام- في ذكر أسماء من حضـر مع الحسين -عليه السلام- ، وذلك في كتاب « تسمية من قتل مع الحسين -عليه السلام- من أهل بيته وإخوته وشيعته » الذي جمعه المحدّث الزيدي الفضيل بن الزبير ، الأسدي ، الرسّان ، الكوفي ، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق -عليهما السلام-. فقد ذكر ما نصّه : « وكان علي بن الحسين عليلاً ، وارتُثّ ، يومئذ ، وقد حضـر بعض القتال ، فدفع الله عنه ، وأُخِذَ مع النساء». ومع وضوح النصّ في قتال الإمام السجاد -عليه السلام- في كربلاء فإن كلمة « ارْتُثّ » تدل على ذلك ، لأنها تقال لمن حمل من المعركة ، بعد أن قاتل ، وأثخن بالجراح ، فأُخرج من أرض القتال وبه رمق ، كما صرّح به اللغويون. ب- إنَّ قول الامام الحسين -عليه السلام- : (هذا الليل قد غشيَكم فاتخذوه جَملاً، ثمّ ليأخذ كلُّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، ثمّ تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرّج الله..) يدلُّ على أنّه لازالت هناك طرق يخرج منها من أراد الخروج ويدخل إلى الحسين -عليه السلام- من أراد الدخول ، وايجاد هذه الطرق طبعاً وفق تضاريس كربلاء يومئذ المكوّنة من غابات نخيل وماء ومستنقعات وأهوار فإيجاد منافذ للدخول والخروج يحتاج إلى تخطيط مسبق ومميز من قبل المعصوم الحسين -عليه السلام- . ج- يُلاحظ على بعض الروايات التي ورد فيها قول الامام الحسين -عليه‌ السلام- :(إنّي غداً أُقتل وتُقتلون كلّكم معي، ولا يبقى منكم واحد) ، وقول الإمام السجّاد -عليه ‌السلام- :(فأصبح وقُتل وقُتلوا معه أجمعون) ؛ إنَّ هذا الأمر المشهور خلاف الواقع، فهناك بعض من أنصار الامام الحسين -عليه‌ السلام- كانوا قد اشتركوا في حرب يوم عاشوراء ولم يُستشهدوا، مثل: الحسن المثنّى، وسوار بن منعم النهمي، والموقّع بن ثمامة الأسدي. اللّهمّ إلاّ أن يكون أمثال هؤلاء لم يحضروا هذه المخاطبة تلكم الساعة، أو أنَّ الخطاب أُريد الجميع به على نحو التغليب!. د- جاء في بعض النصوص الأخرى في وصف موقف أصحاب الإمام الحسين -عليه السلام- (فأمّا عسكرهُ ففارقوه وأمّا أهله الأدنون من أقربائه فأبَوا وقالوا: لا نفارقك...) وهذا النص لا يُقبل لعدَّة أسباب : أولاً : لأنه مرسل رواه السيد البحراني مرسلاً ورواه الشيخ القمي عن الخصيبي الذي اشتهر حاله بعدم توثيق عدد من العلماء له. ثانياً : أشار بعض الباحثين أنه إذا كان المراد بـ(فأمّا عسكره ففارقوه) مَن استأجرهم الإمام الحسين -عليه‌ السلام- من الجمّالين وغيرهم فلا بأس به.. وأمّا إذا كان المراد به مَن التحقوا به والمخاطبة ليلة عاشوراء، فإنّ الثابت الصحيح أنّه لم يتخلَّ عن الإمام -عليه ‌السلام- أحدٌ من أصحابه. ولا ندري.. فلعلَّ العبارة الأخيرة في خبر أبي الفرج الأصبهاني، كانت هي مستند القول فيما بعد أنّ هذه الواقعة كانت يوم العاشر وليس ليلة العاشر، كما قال به الشيخ السماويّ (رحمه الله) نقلاً عن السيّد رضيّ الدين الداودي ، والله العالم. وكان هنالك اجراء مميز آخر من سيدنا أبي عبد الله -عليه السلام- لرفع معنويات أصحابه وللارتقاء بواقعهم نحو واقعٍ روحيٍ ومعنويٍ أفضل وتمثل بما ترويه هذه الرواية عن الشيخ الصدوق (ره) في العلل بسند عن محمّد بن عمارة أنّه سأل الإمام الصادق -عليه‌ السلام- : (قال: قلتُ له: أخبِرني عن أصحاب الحسين عليه ‌السلام وإقدامهم على الموت؟) فقال:(إنّهم كُشف لهم الغطاء حتّى رأوا منازلهم من الجنّة، فكان الرجل منهم يُقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها، وإلى مكانه من الجنّة). وهنالك إجراءات أخرى : من الإجراءات الميدانية التي قام بها الامام الحسين -عليه السلام- ليلة العاشر أنَّه قام بحفر خندق أو حفيرة شبه الخندق أو خندق في بعض النصوص : فعن ابن أعثم الكوفي: (فلمّا آيس الحسين من القوم، وعلِمَ أنّهم مقاتلوه، قال لأصحابه: قوموا فاحفروا لنا حفيرة شبه الخندق حول معسكرنا، وأجّجوا فيها ناراً حتّى يكون قتال هؤلاء القوم من وجهٍ واحد ، فإنّهم لو قاتلونا وشُغلنا بحرْبهم لضاعت الحُرَم .فقاموا من كلّ ناحية فتعاونوا واحتفروا الحفيرة ، ثمَّ جمعوا الشوك والحطب فألقوه في الحفيرة وأجّجوا فيها النّار). 2- ومن هنا يتبين من أهم الأسباب التي دعت لحفر هذا الخندق العاشورائي كي يضمن الحسين -عليه السلام- جبهته معسكره الخلفية ويكون قتاله للقوم من جانب واحد ، وأيضاً يضمن أنْ لا يصل أحد إلى مخيمات النساء من قبل طغام آل أمية . 3- ونص الشيخ الصدوق على أنَّ الإمام الحسين -عليه السلام- أجرى أمراً ثانياً وهو كإجراءٍ لوجستي عندما أمر قياداته العسكرية بالذهاب إلى المشرعة لاستقاء الماء قال : (وأرسل عليّاً ابنه -عليه ‌السلام- في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً ليستقوا الماء، وهم على وجَلٍ شديد ، ثمّ قال لأصحابه:(قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم، وتوضّأوا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم؛ لتكون أكفانكم...). 4- وكإجراء أمني احترازي أمر الامام الحسين -عليه السلام- أصحابه بعد أن خرج إليهم ، فأمرهم أن يُقرّب بعضهم بيوتهم من بعض، وأن يُدخلوا الأطناب بعضها في بعض، وأن يكونوا بين البيوت، فيستقبلون القوم من وجه واحد، والبيوت من ورائهم وعن أَيمانهم وعن شمائلهم، قد حفّت بهم إلّا الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم، ورجع -عليه ‌السلام- إلى مكانه، فقام الليل كلّه يصلّي ويستغفر ويدعو ويتضرّع، وقام أصحابه كذلك يُصلّون ويدعون ويستغفرون). 5- خرجَ الامام الحسين -عليه ‌السلام- في جوف الليل إلى خارج الخيام يتفقّد التلاع والعقبات، فتبعه نافع بن هلال الجملي، فسأله الحسين - عليه السلام- عمّا أخرجه. قال: يا بن رسول الله، أفزَعني خروجك إلى جهة معسكر هذا الطاغي. فقال الحسين -عليه ‌السلام - :(إنّي خرجتُ أتفقّد التلاع والروابي مخافة أن تكون مكمناً لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون). وحدة الإعلام

صور من الموضوع ...

نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7711173108
00964-7602365037
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
info@mk.iq
media@mk.iq

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...