تاريخ كربلاء

اعتداء المتوكّل العبّاسيّ على أرض كربلاء 247 هـ / 861 م

اعتداء المتوكّل العبّاسيّ على أرض كربلاء 247 هـ / 861  م

بعد أن جاء المتوكِّل العبّاسيّ إلى السلطة وهو معروف ببغضه لآل البيت عليهم السلام بغضاً شديداً كان همّه الأوّل هو تخريب مرقد الإمام الحسين - عليه السلام - ومنع الموالين من زيارته؛ لأنّه كان يعلم أنَّ هذا المرقد الشريف أصبح رمزاً خالداً يلتفُّ حوله كلُّ مَن يريد أن يرفعَ راية الثَّورة ضد حكّام الجور، ومنهم بنو العبّاس. وقد ثبت ذلك عن طريق توافد قادة الحركات السياسيّة الذين كانوا قد رفعوا راية الثَّورة ضد السلطة الأمويّة وبعدها السلطة العبّاسيّة على زيارة مرقد الإمام الحسين - عليه السلام -، إذ تذكر كتب التأريخ أنَّ الثائر الكبير سليمان بن صُرد الخزاعيّ قائد ثورة التوَّابين زار قبر الإمام الحسين - عليه السلام - قبل أنْ يُعلن ثورته ضد السلطة الأمويّة عام (65) هجريّة؛ ليستمدَّ العزمَ والتصميمَ من هذا القائد العظيم، وكذلك قام المختارُ الثقفيُّ بزيارة القبر الشريف مع مجموعةٍ من أتباعه قبل إعلان ثورته ضد السلطة الأمويّة وكان ذلك عام (66) هجريّة، وكذلك الثائر المقتدر زيد بن علي بن الحسين عندما أعلن ثورته ضد السلطة الأمويّة في زمن هشام بن عبد الملك، وكذلك دُعاة الحركة الإسماعيليّة الذين رفعوا راية الثورة ضد السلطة العبّاسيّة أيضاً. وهكذا أصبح مرقدُ الإمام الحسين - عليه السلام - مركزَ إشعاعٍ فكريٍّ وثوريٍّ لمن يريد أنْ يتحدّى طواغيت زمانه، الأمر الذي دعا بالحكام المتجبّرين أنْ يحسبوا له ألفَ حساب، فعملوا على هدمه ومنع الزائرين من التوجّه لزيارته، وكان من هؤلاء الحاكم الضال المتوكّل العبّاسيّ. ما أن تولّى هذا النفر الظالم السلطةَ حتّى استعدَّ لتنفيذ مآربه الدنيئة ألا وهي تخريب مرقد الإمام الحسين - عليه السلام - وبعد جلوسه على عرشه استدعى أحد أعوانه وكان يهوديًّا ويدعى (عبد الله إبراهيم الدَّيزج) وأمره أنْ يذهبَ مع مجموعةٍ من أتباعه إلى كربلاء لهدم قبر الإمام الحسين - عليه السلام -، فقام الأخيرُ بالتوجّه إلى مدينة الكوفة واختار منها مجموعةً من اليهود الذين كانوا يسكنون الكوفة للمساهمة معه في تنفيذ مهمَّته الشنيعة، وبعد قضائِهم عدّةَ أيام في الطريق وصلوا إلى كربلاء الحسين - عليه السلام - وما إن وصلوا إلى القبر الشريف حتّى قاموا بتهديم القبر المطهّر. يقول العلّامةُ المجلسيُّ بسندِه عن جعفر بن محمّد الرَّاجحيّ عن عمِّه عمر بن فرج الرّاجحيّ وهو أحد المرافقين لعبد الله بن الدّيزج، ما نصّه: ((إنَّ المتوكِّلَ العبّاسيَّ أمرني أنْ أرافقَ الدَّيزج لهدم قبر الحسين - عليه السلام - في كربلاء ولمّا تركني الدَّيزجُ بعد أن اشتدَّت عليه وطأة الحُمّى بقيتُ على رأس الأعوان والغلمان إلى غداة الغَد، ولمّا أصبحَ الصباحُ توجّهتُ نحو القبر فمررتُ على القبور كلّها فلمّا بلغتُ قبر الحسين - عليه السلام - لم تمر عليه فأخذتُ العصا بيدي فما زلتُ أضربها حتّى تكسّرت العصا في يدي، فوالله هاجت على القبر ولاذت به، فعند ذلك أمرتُ بإرسال الماء عليه من نهر العلقميّ، فحارَ الماءُ بقدرة اللهِ تعالى على بُعدٍ من القبر باثنين وعشرين ذراعاً)). وفي رواياتٍ أخرى ذُكرتْ في العديد من بطون كتب الروايات المرويّة عن الأئمّة الأطهار سلام الله عليهم تفيد بأنَّ أزلام المتوكِّل قاموا بهدم القبر الشريف وحرَثوا الأرضَ القريبةَ منه كي تمحى آثاره، كما قاموا بقطع السدرة التي كانت قريبة منه حتّى تضيع على الزائرين الكرام معالمُه.. هذا وتذكر رواياتٌ أخرى أنَّ الماءَ عندما أُجري لكي يُغرقَ القبرَ الشريف وقف عنده وطاف حوله، أي حار حول القبر. وبناءً على هذا الأساس أصبحت كلمة (الحائر) أحد أسماء مدينة الحسين - عليه السلام -. بعد أن تمَّ هذا العمل الإجراميّ من قِبل أزلام المتوكّل العبّاسيّ قامت زمرةٌ أخرى بتهديم البيوت والأسواق التي لم يمضِ على بنائها (50) عاماً، إذ سبق وأن قام أزلام هارون العبّاسيّ بتهديمها. وبعد اكمال تهديم البيوت والمحلّات التي كانت عبارة عن قرية صغيرة يطلق عليها (قصبة كربلاء) عادت زمرةُ المتوكّل إلى بغداد، وبهذا نفّذ الطّاغية المتوكّل العبّاسيّ رغبته في تهديم الحرم الحسينيّ المقدّس والدور المجاورة له, وبعد وصول عبد الله الدّيزج إلى دار الخلافة العبّاسيّة استقبله المتوكِّلُ وأثنى عليه وكرّمه. لم يكتفِ المتوكِّل العبّاسيّ بعملِه الوقح هذا بل أنّه قام بوضع سيطراتٍ مسلّحة في الطرق المؤدّية إلى كربلاء؛ وذلك لمنع الزائرين الكرام من التوجّه إليها، ولمّا رأى أنَّ هذه الأمور لا تردعُ المحبّين والموالين لآل البيت عليهم السلام أمر بقطعِ يد كلّ مَن يذهب لزيارة المرقد المطهّر، لكن هذا العمل الشنيع لم يردع الزائرين الكرام من الذهاب إلى زيارة مرقد إمامهم الحسين - عليه السلام -، فقام بفرض ضريبةٍ تذكر المصادر أنَّ قيمتها (100) ليرة ذهبيّة، وهو مبلغٌ كبير جداً في تلك الحقبة، الأمر الذي أدّى إلى قلّة الزائرين بسبب الوضع المالي الصعب، إذ كان أبناء الشيعة من الفئة التي تنقم عليها السلطة الحاكمة ممّا يجعل وضعها الاقتصاديّ سيّئًا للغاية، إلّا أنّ محبّي العترة الطاهرة قاموا بجمع المبالغ فيما بينهم ليقوموا بدفعها إلى شخص من كبار السن يختارونه للذهاب لزيارة مرقد الإمام الحسين - عليه السلام - يذكرهم بالدعاء عند القبر الشريف. وهكذا استمرّت الحشود بالتوجّه لزيارة قبر الإمام الحسين - عليه السلام - رغم أنف المتسلّطين على رقاب الشعوب المظلومَة. ولابدَّ من الإشارة في هذا المقام إلى أنَّ المتوكّل العبّاسيّ قام بثلاث هجماتٍ على القبر الشريف منذ تولّيه السلطة عام (237هـ) إذ إنّ ما مرَّ ذكره هي الهجمة الرّابعة، وكانت أشدّ وطأة من الهجمات التي سبقت هذا الهجوم الغادر والواسع. ولكن ربَّ العزّة جلَّ وعلا لم يمهله طويلاً، إذ سرعان ما قُتل على يد مجموعةٍ من أتباعه وكانت قتلته مَشينةً جداً، فقد قطَّعوا أحشاءه إرباً إرباً. بعد نهاية المتوكّل المخزية قام ولده المنتصر الذي كان من المحبّين لآل البيت عليهم السلام بإرسال مجموعةٍ من البنّائين والمعماريّين إلى كربلاء لبناء المرقد المقدّس بأحسن صورة، ثمّ أمر ببناء برجٍ شاهقٍ يستدلُّ به الزائرون الكرام من بُعد، كما أمر ببناء دور لخَدَمة المرقد المقدّس إضافة إلى بنائه للدور والمحلّات التي سبق وأنْ هدَمها أعوانُ أبيه، كما أنعم على أبناء القُرى القريبة من المرقد المقدّس بمبالغ نقديّة لمساعدتهم، وظلَّ يتابع راحةَ المجاورين للعتبة المقدّسة ورعاية المشرفين على خدمة القبر الشريف حتّى وفاته، إذ لم يدُم حكمه أكثر من ستّة أشهر وقيل ثمانية أشهر، وبوفاته قلَّ اهتمام الحكّام الذين جاؤوا بعده، بل إنّهم أساؤوا للقبر الشريف وهذا ديدن بني العبّاس. وهنا لابدَّ أن نشيدَ بدور المنتصر، إذ تنفّس الشيعة إبّان حكمه الصعداء وأخذت جموعٌ منهم تتوافدُ على المرقد الشريف كما أنّ قِسماً منهم قرّروا السكنَ في كربلاء، وعليه توسَّعتْ قصبةُ كربلاء، إذ شُيِّدت المئاتُ من الدّور والمحلّات، وأصبحت مدينة كربلاء مدينة واسعة مترامية الأطراف، كما سكن فيها عددٌ من كبار رجال الشيعة كان في مقدَّمتهم العالمُ الجليل السيّد إبراهيم المجاب بن محمّد العابد ابن الإمام موسى الكاظم - عليه السلام -. وبعد استقرار هذا السيّد الجليل في مدينة كربلاء قام بتأسيس مدارس دينيّة استقطبت العشرات من الدَّراسين ومن مختلف الأقطارِ الإسلاميّة، وهكذا أصبحت كربلاء مركزاً دينيًّا مرموقاً تتّجه أفئدة المسلمين إليه؛ ولهذا فشلت مخطّطات المتوكِّل العبّاسيّ ومن لفَّ لفّه على طمسِ معالِم القبر الشَّريف وتهديم مدينة كربلاء المقدّسة التي بنى مجدَها سيِّدُ الشهداء الإمام الحسين - عليه السلام - وها هو اليوم قبر الإمام الحسين - عليه السلام - يزدحم عليه عشراتُ الملايين من المُسلمين من كلِّ حدَبٍ وصوب وهم يحيطون به مع جمع من الملائكة الذين اختارهم الباري عزَّ وجلَّ للدعاء لزوّار قبر الإمام الحسين - عليه السلام - فسلامٌ عليه يوم وُلِد ويوم اُستُشهِد ويوم يُبعثُ حيًّا.

صور من الموضوع ...

نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7711173108
00964-7602365037
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
info@mk.iq
media@mk.iq

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...