مركز تراث الحلة
السيد حيدر الحليّ
التاريخ : 15 / 4 / 2021        عدد المشاهدات : 1825

السيد حيدر الحليّ هو السيد حيدر بن سليمان الصغير بن داود بن سليمان الكبير يرجع نسبه إلى زيد الشهيد بن الامام علي بن الحسين السبط الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام).

  وهو أحد أعلام أسرة آل سليمان الحلية, اشتهر بالاخوانيات والمراثي, فكانت أغلب مراثيه في آل البيت الأطهار وأبنائهم وذراريهم, مع بعض المراثي التي رثا بها وجوه مدينته, الحلة الفيحاء, من أمثال السادة القزاونة, ولقد عاصر في زمانه شعراءً كباراً, مثل السيد محمد سعيد الحبوبي, والشاعر عبد الباقي العمري الموصليّ..

ينماز شعره بالرقة والجزالة والعذوبة, مع قوة اللفظ وجدة المعنى, وقد وُصف بأنه من مجددي المعاني, ومن الذين حافظوا على الشعر العربي من الضياع والاندراس, في زمن ضعُف فيه الشعر والأدب أيما ضعف, حتى بلغ منه ذلك أن انسلخت هويته وأصبح غير معبر عن حاجة الناس وحاجة الفن, هذا وقد تسنم السيد حيدر الحلي دفة الريادة في الشعر, حتى لا ينافسه منافس ولا يدانيه مدانٍ, وقد قال فيه أعلام عصره, الكثير من عبارات المدح والثناء والتفضيل على الخصوم والأقران, فقد قال فيه (السيد محمد القزويني) (تــ 1335هـ): (أنت أشعر الشعراء الطالبيين), وفي هذه العبارة ما تحتويه من معانٍ جمة في التفضيل, إذ قصر السيد التفضيل والأشعرية على حقل من حقول الشعر, وهو مدح آل أبي طالب (عليهم السلام) ورثائهم, ولا يخفى أنّ هذا الحقل من الشعر, قد شغل بال أشعر الشعراء قديماً وحديثاً, وخلاصة القول إنَّ هذا النوع من الشعر, ليس حديثًا وقد ولد في زمان مقولة السيد, وإنما تشمل مقولة السيد كل عصور الشعر في هذا المجال, وقد قال فيه (الميرزا حسين النوري) : ( إنه إمام شعراء العراق, وسيد الشعراء في الندب والمراثي), وقد قال له السيد(الميرزا صالح القزويني) (تـ 1304هـ) : (إنّ رثاءك يحبب إلينا الموت), أي أن رثائه قد بلغ من الشاعرية مبلغًا عظيمًا, حتى أنّهُ يحبب الموت للناس خاصتهم وعامتهم, والموت هو أكثر شيء تكرهه النفس وتنفر منه..

وقد تميز بتعدد الأغراض التي يكتب بها, قد كتب رحمه الله في الاخوانيات والغزل، والمديح، والوصف، والطبيعة، والرثاء، وآخرها الهجاء, وقد تجلت ذروة شاعريته في مراثيه ومدائحه, ولشدة روعة وقوة مراثيه, سُميّ بـ (ناعية الطف).

وحين يُذكر السيد حيدر الحلي (رحمه الله), تتداعى إلى المخيلة صورة الشعر البراقة, وتتماثل أمامنا قصيدته الشهيرة، ((الله يا حامي الشريعة)) والتي تعد من معلقات عصره، إذ يفتتحها بالدعوة والإستنهاض والإستصراخ, مستغيثاً بـ(حامي الشريعة) (الإمام صاحب العصر والزمان الإمام المهدي (عليه السلام)), مخاطباُ إياه ومعاتباً (أتقرّ وهي كذا مروعه) يعني أن الشريعة تعيش حالة الروع والذعر والخوف, وهي تستغيث بك, وقلبها من الفراق وابتعاد الأحبة يشكو من التصدع والتفطر, كل هذا وهي على أهبة الإستعداد للعودة إلى الماضي المشرق والعيش في غد مشرق أيضاً, فكتائب الخيل المسلحة مستعدة وتنتظر إذن النفير, والسيوف تكاد أن تجيب من تلقاء نفسها.. ويبقى السيد مسترسلاً في كلمات شحذ الهمم, ورفع الجاهزية, والتذكير بالماضي المشرق بالمجد, والمشبع بالألم, وتتصاعد ذروة القصيدة بشكل سلس وتفاعلي, حتى كأننا لا نحس بفجوة في التوتر, وإنما هو تَصَاعدٌ متقن ومنظم لا يخرمه أي خلل أو خطل, وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قوة استحضار الفكرة, واختمارها في عقلية الشاعر, وعلى غزارة الشعر لديه وقوته, إذ أن الرصد المستدام لمفردات القصيدة يشخص حالة من التفاعل الخلاق بين كل أبيات القصيدة, فهو يقدم كل جملة شعرية بما تحتويه من قوة ورصانة ومتانة, يقدمها ليمهد بها للجمل التي تليها, فيقدم البيت ليصنع أفق انتظارٍ للبيت الذي يليه, حتى ننسجم مع النص ونعيش أجوائه الزاخرة بالعنفوان والرغبة في الثأر, و التحريض على ركوب صهوة المجد..

مما لا يخفى إن لكل قصيدة (بيت قصيد), وهو الذي تصل فيه القصيدة إلى ذروتها وقمتها, وما بيت القصيد إلا علامة على قوة الشعر, وعلى شاعرية الشاعر, فالشاعر يعلم إن المتلقي يعيش لحظات الشعر معه, يرغب بالوصول إلى الذروة التي تحقق خلود الشعر, إلا إن بيت القصيد ليس بيتاً واحدًا كما هو معروف, فقد يكون مجموعة من الأبيات التي توصلنا إلى الذروة وإلى الشاعرية, وإن الأبيات التالية تمثل ذروة النص الشعري..

اللهُ يَا حَامِي الشَّرِيْعَهْ                أَتَقَرُّ وَهْيَ كَذَا مَرُوْعَهْ!

مَاتَ التَّصَبُّرُ بِانْتِظَا                رِكَ أَيُّهَا المُحْيِي الشَّرِيْعَهْ

فَانْهَضْ فَمَا أَبْقَى التَّحَمـْ             ـمُلُ غَيْرَ أَحْشَاءٍ جَزُوْعَهْ

قَدْ مَزَّقَتْ ثَوْبَ الأَسَى                وَشَكَتْ لِوَاصِلِهَا القَطِيْعَهْ

كَمْ ذَا الْقُعُوْدُ وَدِيْنُكُمْ                   هُدِمَتْ قَوَاعِدُهُ الرَّفِيْعَهْ

تَنْعَى الفُرُوْعُ أُصُوْلَه                   وَأُصُوْلُهُ تَنْعَى فُرُوْعَهْ

وَاطْلُبْ بِهِ بِدَمِ الْقَتِيْـ                ـلِ بِـ(كَرْبَلا) فِي خَيْرِ شِيْعَهْ

     مَاذَا يُهِيْجُكَ إنْ صَبَرْ                   تَ لِوَقْعَةِ (الطَّفِّ) الفَظِيْعَهْ؟

أَتُرَى تَجِيءُ فَجِيْعَةٌ                  بِأَمَضَّ مِنْ تِلْكَ الفَجِيْعَهْ؟

    حَيْثُ (الْحُسَيْنُ) عَلَى الثَّرَى            خَيْلُ العِدَى طَحَنَتْ ضُلُوْعَهْ

قَتَلَتْهُ (آلُ أُمَيَّةٍ)                   ظَامٍ إلى جَنْبِ الشَّرِيْعَه

وَرَضِيْعُهُ بِدَمِ الوَرِيْـ              ـدِ مُخَضَّبٌ فَاطْلُبْ رَضِيْعَهْ

         قد يصبح الشعر هويةً تعريفية للشاعر أو للزمن أو للحقبة التأريخية, أو للمدرسة التي ينتمي اليها هذا الشعر, وهذه القصيدة يمكن لها ان تكون هويةً تعريفيةً للسيد حيدر الحلي, وهنا يتحقق تبادل الأدوار بين الشعر والشاعر, بين الفن والفنان, حتى يغدو الفن هو الفنان, وهي أعلا درجات الانصهار مع الفن, والتسامي مع التجربة, فقد أصبحت قصيدة ((الله يا حامي الشريعة)), هوية تعريفيةً تطير في الآفاق, باسم السيد حيدر الحلي (رحمه الله), فكانت مثالاً للجودة وحسن السبك وقوة اللفظ وجمال المبنى ورقة اللفظ وجزالة المعنى.. وكل هذه الصفات أصبحت بفعل التقادم التأريخي للفن, صفات خاصة للسيد حيدر الحلي (رحمه الله), فهي قصيدة الشاعر, وهو شاعر القصيدة.


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :